كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

والظاهر المؤيد بالآثار أنه تعالى جعله في معدنه عينا تسيل كعيون الماء
أخرج إبن المنذر عن عكرمة أنه قال في الآية : أسأل الله تعالى له القطر ثلاثة أيام يسيل كما يسيل الماء قيل : إلى أين قال : لا أدري وأخرج إبن أبي حاتم عن السدي قال : سيلت له عين من نحاس ثلاثة أيام وفي البحر عن إبن عباس والسدي ومجاهد قالوا أجريت له عليه السلام ثلاثة أيام بلياليهن وكانت بأرض اليمن وفي رواية عن مجاهد أن النحاس سأل من صنعاء وقيل : كان يسيل في الشهر ثلاثة أيام
ومن الجن من يعمل بين يديه يحتمل أن يكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف هو خبر مقدم و من في محل رفع مبتدأ ويحتمل أن يكون متعلقا بمحذوف وقع حالا مقدما من من وهي في محل نصب عطف على الريح وجوز أن يكون من الجن عطفا على الريح على أن من للتبعيض و من يعمل بدل منه وهو تكلف و يعمل إما منزل منزلة اللازم أو مفعوله مقدر يفسره ما سيأتي إن شاء الله تعالى ليكون تفصيلا بعد الإجمال وهو أوقع في النفس بإذن ربه بأمره عزوجل ومن يزغ منهم عن أمرنا أي ومن يعدل منهم عما أمرناه به من طاعة سليمان عليه السلام وقريء يزغ بضم الياء من أراغ مبنيا للفاعل ومفعوله محذوف أي من يمل ويصرف نفسه أو غيره وقيل مبنيا للمفعول فلا يحتاج إلى تقدير مفعول نذقه من عذاب السعير 11 أي عذاب النار في الآخرة كما قال أكثر المفسرين وروى ذلك عن إبن عباس وقال بعضهم : المراد تعذيبه في الدنيا
روى عن السدي أنه عليه السلام كان معه ملك بيده سوط من نار كل ما أستعصى عليه جني ضربه من حيث لا يراه الجني
وفي بعض الروايات أنه كان يحرق من يخالفه وإحتراق الجني مع أنه مخلوق من النار غير منكر فإنه عندنا ليس نارا محضة وإنما النار أغلب العناصر فيه يعملون له ما يشاء من محاريب جمع محراب وهو كما قال عطية القصر وسمى بأسم صاحبه لأنه يحارب غيره في حمايته فإن المحراب في الأصل من صيغ المبالغة أسم لمن يكثر الحرب وليس منقولا من أسم الآلة وإن جوزه بعضهم ولإبن حيوس
جمع الشجاعة والخشوع لربه ما أحسن المحراب في محرابه ويطلق على المكان المعروف الذي يقف بحذائه الإمام وهو مما أحدث في المساجد ولم يكن في الصدر الأول كما قال السيوطي وألف في ذلك رسالة ولذا كره الفقهاء الوقوف في داخله
وقال إبن زيد : المحاريب المساكن وقيل ما يصعد إليه بالدرج كالغرف وقال مجاهد : هي المساجد سميت بأسم بعضها تجوزا على ما قيل وهو مبني على أن المحراب أسم لحجرة في المسجد يعبد الله تعالى فيها أو لموقف الإمام
وأخرج إبن المنذر وغيره عن قتادة تفسيرها بالقصور والمساجد معا وجملة يعملون له ما يشاء إستئناف لتفصيل ما ذكر من علمهم وجوز كونها حالا وهو كما ترى وتماثيل قال الضحاك : كانت صور حيوانات وقال الزمخشري : صور الملائكة والأنبياء والصلحاء كانت تعمل في المساجد من نحاس وصفر وزجاج ورخام ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وكان إتخاذ الصور في ذلك الشرع جائزا كما قال الضحاك وأبو العالية
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن إبن عباس أنه قال في الآية إتخذ سليمان عليه السلام تماثيل من نحاس فقال يارب أنفخ فيها الروح فإنها أقوى على الخدمة فينفخ الله تعالى فيها الروح فكانت تخدمه

الصفحة 118