كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وأسفنديار من بقاياهم وهذا من العجب العجاب ولا ينبغي إعتقاد صحته وما هو إلا حديث خرافة وأما ما روى من أنهم عملوا له عليه السلام أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد ان يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما فأمر غير مستبعد فإن ذلك يكون بآلات تتحرك عند الصعود وعند القعود فتحرك الذراعين والأجنحة وقد إنتهت صنائع البشر إلى مثل ذلك في الغرابة وقيل : التماثيل طلسمات فتعمل تمثالا للتمساح أو للذباب أو للبعوض فلا يتجاوزه الممثل به ما دام في ذلك المكان وقد أشتهر عمل نحو ذلك عن الفلاسفة وهو مما لا يتم عندهم إلا بواسطة بعض الأوضاع الفلكية وعلى الباب الشهيرة بباب الطلسم من أبواب بغداد تمثال حية يزعمون أنه لمنع الحيات عن الإيذاء داخل بغداد ونحن قد شاهدنا مرارا أناسا لسعتهم الحيات فمنهم من لم يتأذ ومنهم من تأذى يسيرا ولم نشاهد موت أحد من ذلك وقلما يسلم من لسعته خارج بغداد لكن لا نعتقد أن لذلك التمثال مدخلا فيما ذكر ونظن أن ذاك لضعف الصنف الموجود في بغداد من الحيات وقلة شره بالطبيعة وقيل كانت التماثيل صور شجر أو حيوانات محذوفة الرؤس مما جوز في شرعنا ولا يحتاج إلى إلتزام ذلك إلا إذا صح فيه نقل فإن الحق أن حرمة تصوير الحيوان كاملا لم تكن في ذلك الشرع وإنما هي في شرعنا ولا فرق عندنا بين أن تكون الصورة ذات ظل وأن لا تكون كذلك كصورة الفرس المنقوشة على كاغد أو جدار مثلا
وحكى مكي في الهداية أن قوما أجازوا التصوير وحكاه النحاس أيضا وكذا إبن الفرس وأحتجوا بهذه الآية وأنت تعلم أنه ورد في شرعنا من تشديد الوعيد على المصورين ما ورد فلا يلتفت إلى هذا القول ولا يصح الإحتجاج بالآية وكأنه إنما حرمت التماثيل لأنه بمرور الزمان إتخذها الجهلة مما يعبد وظنوا وضعها في المعابد لذلك فشاعت عبادة الأصنام أو سدا لباب التشبه بمتخذي الأصنام بالكلية وجفان جمع جفنة وهي ما يوضع فيها الطعام مطلقا كما ذكره غير واحد وقال بعض اللغويين : الجفنة أعظم القصاع ويليها القصعة وهي ما تشبع العشرة ويليها الصحفة وهي ما تشبع الخمسة ويليها المئكلة وهي ما تشبع الأثنين والثلاثة ويليها الصحيفة وهي ما تشبع الواحد وعليه فالمراد هنا المطلق لظاهر قوله تعالى كالجواب أي كالحياض العظام جمع جابية من الجباية أي الجمع فهي في الأصل مجاز في الطرف أو النسبة لأنها يجبي إليها لا جابية ثم غلبت على الإناء المخصوص غلبة الدابة في ذوات الأربع وجاء تشبيه الجفنة بالجابية في كلامهم من ذلك قول الأعشى : نفي الذم عن آل المحلق جفنة كجابية السيح العراقي تفهق وقول الأفوه الأودي : وقدور كالربى راسية وجفان كالجوابي مترعه وذكر في سعة جفان سليمان عليه السلام أنها كان على الواحدة منها ألف رجل وقريء كالجوابي بياء وهو الأصل وحذفها للإجتزاء بالكسرة وإجراء أل مجرى ما عاقبها وهو التنوين فكما يحذف مع التنوين يحذف مع ما عاقبه وقدور جمع قدر وهو ما يطبخ فيه من فخار أو غيره وهو على شكل مخصوص راسيات ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها قاله قتادة وقيل : كانت عظيمة كالجبال وقدمت المحاريب على التماثيل

الصفحة 119