كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

مالك لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك فقالت : قد حججت وأعتمرت وأمرني الله تعالى أن أقر في بيتي فوالله لا أخرج من بيتي حتى أموت قال : فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها لأن ذلك مبني على إجتهادها كما أن خروج الأخوات مبني على إجتهادهن نعم أخرج أحمد عن أبي هريرة أن النبي قال لنسائه عام حجة الوداع : وهذه ثم لزوم الحصر قال : فكان كلهن يحججن إلا زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة وكانتا تقولان : والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من رسول الله والمراد بقوله عليه الصلاة و السلام : هذه إلخ أنكن لا تعدن تخرجن بعد هذه الحجة من بيوتكن وتلزمن الحصر وهو جمع حصير الذي يبسط في البيوت من القصب وتضم الصاد وتسكن تخفيفا وهو في معنى النهي عن الخروج للحج فلا يتم ما ذكر أولا ويشكل خروج سائر الأزواج لذلك وأجيب بأن الخبر ليس نصا في النهي عن الخروج للحج بعد تلك الحجة وإلا لما خرج له سائر الأزواج الطاهرات من غير نكير أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم عليهن بل جاء أن عمر رضي الله تعالى عنه أرسلهن للحج في عهده وجعل معهن عثمان وعبدالرحمن بن عوف وقال لهما : إنكما ولدان باران لهن فليكن أحدكما قدام مراكيهن والآخر خلفها ولم ينكر أحد فكان إجماعا سكوتيا على الجواز فكأن زينب وسودة فهما من الخبر قضيت هذه الحجة أو أبيحت لكن هذه الحجة بخصوصهما ثم الواجب بعدها عليكن لزوم البيوت فلم يحجا بعد لذلك وغيرهما فهم منه المناسب لكن أو اللائق بكن هذه الحجة أي جنسها أو هذه الحالة من السفر للحج أو لأمر ديني مهم ثم بعد الفراغ المناسب أو اللائق لزوم البيوت فيكون مفاده إباحة الخروج لذلك ومن أنصف لا يكاد يقول بإفادة الخبر الأمر بلزوم البيوت والنهي عن الخروج منها مطلقا بعد تلك الحجة بخصوصها فإن النبي مرض في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها وبقى مريضا فيه حتى توفي عليه الصلاة و السلام ولا يكاد يشك أحد في خروج سائرهن لعيادته أو يتصور إستقرارهن في بيوتهن غير بالين شوقهن برؤية طلعته الشريفة حتى توفي فإن مثل ذلك لا يفعله أقل النساء حبا لأزواجهن الذين لا قدر لهم فكيف يفعله الأزواج الطاهرات مع رسول الله وهو هو وحبهن له حبهن ثم إن الجواب المذكور إنما يحتاج إليه بعد تسليم صحة الخبر ويحتاج الجزم بصحته إلى تنقير ومراجعة فلينقر وليراجع والله تعالى أعلم
وأقمن الصلاة وآتين الزكاة أمرن بهما لإنافتهما على غيرهما وكونهما أساس العبادات البدنية والمالية
وأطعن الله ورسوله أي في كل ما تأتين وتذرن لا سيما فيما أمرتن به ونهيتن عنه
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا 33 إستئناف بياني مفيد تعليل أمرهن ونهيهن والرجس في الأصل الشيء القذر وأريد به هنا عند كثير الذنب مجازا وقال السدي : الأثم وقال الزجاج : الفسق وقال إبن زيد : الشيطان وقال الحسن : الشرك وقيل : الشك وقيل : البخل والطمع وقيل : الأهواء والبدع وقيل : إن الرجس يقع على الإثم وعلى العذاب وعلى النجاسة وعلى النقائص والمراد به هنا ما يعم كل ذلك ولا يخفى عليك ما في بعض هذه الأقوال من الضعف وأل فيه للجنس أو للإستغراق والمراد بالتطهير قيل التحلية بالتقوى والمعنى على ما قيل إنما يريد الله ليذهب عنكم الذنوب والمعاصي فيما نهاكم ويحليكم بالتقوى تحلية بليغة فيما أمركم وجوز أن يراد به الصون والمعنى إنما يريد سبحانه ليذهب عنكم الرجس ويصونكم من المعاصي صونا بليغا فيما أمر ونهى جل شأنه وأختلف في لأم ليذهب فقيل زائدة وما بعدها في موضع المفعول به

الصفحة 12