كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

لأن الصور توضع في المحاريب أو تنقش على جدرانها وقدمت الجفان على القدور مع أن القدور آلة الطبخ والجفان آلة الأكل والطبخ قبل الأكل لأنه لما ذكرت الأبنية الملكية ناسب أن يشار إلى عظمة السماط الذي يمد فيها فذكرت الجفان أولا لأنها تكون فيها بخلاف القدور فإنها لا تحضر هناك كما ينبيء عنه قوله تعالى راسيات على ما سمعت أولا وكأنه لما بين حال الجفان إشتاق الذهن إلى حال القدور فذكرت للمناسبة
أعملوا آل داؤد شكرا بتقدير القول على الإستئناف أو الحالية من فاعل سخرنا المقدر وآل منادى حذف منه حرف النداء و شكرا نصب على أنه مفعول له وفيه إشارة إلى أن العمل حقه أن يكون للشكر لا للرجاء والخوف أو على أنه مفعول مطلق لا عملوا لأن الشكر نوع من العغمل فهو كقعدت القرفصاء وقيل : لتضمين أعملوا معنى أشكروا وقيل : لا شكروا محذوفا أو على أنه حال بتأويل أسم الفاعل أي أعملوا شاكرين لأن الشكر يعم القلب والجوارح أو على أنه صفة لمصدر محذوف أي أعملوا عملا شكرا أو على أنه مفعول به لا عملوا فالكلام كقولك عملت الطاعة وقيل : إن أعملوا أقيم مقام أشكروا أشكروا مشاكلة لقوله سبحانه يعملون
وقال إبن الحاجب : أنه جعل مفعولا به تجوزا وأياما كان فقد روى إبن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان عن إبن مسعود قال : لما قيل لهم أعملوا آل داؤد شكرا لم يأت ساعة على القوم إلا ومنهم قائم يصلي وفي رواية كان مصلي آل داؤد لم يخل من قائم يصلي ليلا ونهارا وكانوا يتناوبونه وكان سليمان عليه السلام يأكل خبز الشعير ويطعم أهله خشادته والمساكين الدرمك وهو الدقيق الحواري وما شبع قط وقيل : له في ذلك فقال : أخاف إذا شبعت أن أنسى الجياع وجوز بعض الأفاضل دخول داؤد عليه السلام في الآل هنا لأن آل الرجل قد يعمه
ويؤيده ما أخرجه أحمد في الزهد : وإبن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن المغيرة بن عتيبة قال : قال داؤد عليه السلام يارب هل بات أحد من خلقك أطول ذكرا مني فأوحى الله تعالى إليه الضفدع وأنزل سبحانه عليه عليه السلام أعلموا آل داؤد شكرا فقال داؤد عليه السلام كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم علي ثم ترزقني على النعمة الشكر فالنعمة منك والشكر منك فكيف أطيق شكرك فقال جل وعلا : ياداؤد الآن عرفتني حق معرفتي
وجاء في رواية إبن أبي حاتم عن الفضيل أنه عليه السلام قال يارب : كيف أشكرك والشكر نعمة منك قال سبحانه : الآن شكرتني حين علمت النعم مني وكذا ما أخرجه الفريابي : وإبن أبي حاتم عن مجاهد قال : قال داؤد لسليمان عليهما السلام : قد ذكر الله تعالى الشكر فأكفني قيام النار أكفك قيام الليل قال : لا أستطيع قال : فأكفني صلاة النهار فكفاه وقليل من عبادي الشكور 21 قال إبن عباس : هو الذي يشكر على أحواله كلها وفي الكشاف هو المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه إعترافا وإعتقادا وكدحا وأكثر أوقاته وقال السدي : هو من يشكر على الشكر وقيل : من يرى عجزه عن الشكر لأن توفيقه للشكر نعمة يستدعي شكرا آخر لا إلى نهاية وقد نظم هدا بعضهم فقال : إذا كان شكري نعمة الله نعمة على له في مثلها يجب الشكر فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام وأتسع العمر إذا مس بالنعماء عم سرورها وإن مس بالضراء أعقبها الأجر

الصفحة 120