كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وقد سمعت آنفا ما روى عن داؤد عليه السلام وهذه الجملة يحتمل أن تكون داخلة في خطاب آل داؤد وهو الظاهر وأن تكون جملة مستقلة جيء بها إخبارا لنبينا وفيها تنبيه وتحريض على الشكر
وقرأ حمزة عبادي بسكون الياء وفتحها الباقون فلما قضينا عليه الموت قيل أي أوقعنا على سليمان الموت حاكمين به عليه وفي مجمع البيان أي حكمنا عليه بالموت وقيل : أوجبناه عليه وفي البحر أي أنفذنا عليه ما قضينا عليه في الأزل من الموت وأخرجناه إلى حيز الوجود وفيه تكلف وأياما كان فليس المراد بالقضاء أخا القدر فتدبر ولما شرطية ما بعدها شرطها وجوابها قوله تعالى ما دلهم على موته إلا دابة الأرض وأستدل بذلك على حرفيتها وفيه نظر وضمير دلهم عائد على الجن الذين كان يعملون له عليه السلام وقيل : عائد على آل سليمان ويأباه بحسب الظاهر قوله تعالى بعد تبينت الجن والمراد بدابة الأرض الأرضة بفتحات وهي دويبة تأكل الخشب ونحوه وتسمى سرفة بضم السين وإسكان الراء المهملة وبالفاء وفي حياة الحيوان عن إبن السكيت إنها دويبة سوداء الرأس وسائرها أحمر تتخذ لنفسها بيتا مربعا من دقاق العيدان تضم بعضها إلى بعض بلعابها ثم تدخل فيه وتموت وفي المثل أصنع من سرفة وسماها في البحر بسوسة الخشب والأرض على ما ذهب إليه أبو حاتم وجماعة مصدر أرضت الدابة الخشب تأرضه إذا أكلته من باب ضرب يضرب فإضافة دابة إليه من إضافة الشيء إلى فعله ويؤيد ذلك قراءة إبن عباس والعباس بن الفضل الأرض بفتح الراء لأنه مصدر أرض من باب علم المطاوع لأرض من باب ضرب يقال أرضت الدابة الخشب بالفتح فأرض بالكسر كما يقال أكلت القوادح الأسنان أكلا فأكلت أكلا فالأرض بالسكون الأكل والارض بالفتح التأثر من ذلك الفعل
وقد يفسر الأول بالتأثر الذي هو الحاصل لتتوافق القراءتان وقيل الأرض بالفتح جمع أرضة وإضافة دابة إليه من إضافة العام إلى الخاص وقيل : إن الأرض بالسكون بمعناها المعروف وإضافة دابة إليها قيل لأن فعلها في الأكثر فيها وقيل لأنها تؤثر في الخشب ونحوه كما تؤثر الأرض فيه إذا دفن فيها وقيل غير ذلك والأولى التفسير الأول وإن لم تجيء الأرض في القرآن بذلك المعنى في غير هذا الموضع وقوله تعالى تأكل منسأته في موضع الحال من دابة أي آكلة منسأته والمنسأة العصا من نسأت البعير إذا طردته لأنها يطرد بها أو من نسأته إذا أخرته ومنه النسيء ويظهر من هذا أنها العصا الكبيرة التي تكون مع الراعي وأضرابه
وقرأ نافع وإبن عامر وجماعة منسأته بألف وأصله منسأته فأبدلت الهمزة ألفا بدلا غير قياسي
وقال أبو عمرو : أنا لا أهمزها لأني لا أعرف لها إشتقاقا فإن كانت مما لا تهمز فقد أحتطت وإن كانت مما تهمز فقد يجوز لي ترك الهمز فيما يهمز ولعله بيان لوجه إختيار القراءة بدون همزة وبالهمز جاءت في قول الشاعر
ضربت بمنسأة وجهه فصار بذاك مهينا ذليلا وبدونه في قوله : إذا دببت على المنسأة من هرم فقد تباعد منك اللهو والغزل وقرأ إبن ذكوان وبكار والوليد بن أبي عتبة وإبن مسلم وآخرون منسأته بهمزة ساكنة وهو من تسكين المتحرك تخفيفا وليس بقياس وضعف النحاة هذه القراءة لأنه يلزم فيها أن يكون ما قبل تاء التأنيث ساكنا

الصفحة 121