كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

غير ألف وقيل : قياسها التخفيف بين بين والراوي لم يضبط وأنشد هرون بن موسى الأخفش الدمشقي شاهدا على السكون في هذه القراءة قول الراجز : صريع خمر قام من وكأته كقومة الشيخ إلى منسأته وقريء بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلبا وحذفا و منسأته بالمد على وزن مفعالة كما يقال في الميضأة وهي آلة التوضيء وتطلق على محله أيضا ميضاءة وقريء منسيته بإبدال الهمزة ياء وقرأت فرقة منهم عمرو بن ثابت عن إبن جبير من مفصولة حرف جر ساته بجر التاء وهي طرف العصا وأصلها ما أنعطف من طرفي القوس ويقال فيه سية أيضا أستعيرت لما ذكر إما إستعارة أصطلاحية لأنها كانت خضراء فأعوجت بالإتكاء عليها على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى في القصة أو لغوية بإستعمال المقيد في المطلق وبما ذكر علم رد ما قاله البطليوسي بعد ما نقل هذه القراءة عن الفراء أنه تعجرف لا يجوز أن يستعمل في كتاب الله عزوجل ولم يأت به رواية ولا سماع ومع ذلك هو غير موافق لقصة سليمان عليه السلام لأنه لم يكن معتمدا على قوس وإنما كان معتمدا على عصا وقريء أكلت منسأته بصيغة الماضي فالجملة إما حال أيضا بتقدير قد أو بدونه وإما إستئناف بياني
فلما خر أي سقط تبينت الجن أي علمت بعد إلتباس أمر سليمان من حياته ومماته عليهم أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين 41 أنهم لو كانوا يعلمون الغيب كما يزعمون لعلموا موته زمن وقوعه فلم يلبثوا بعده حولا في الأعمال الشاقة إلى أن خر والمراد بالجن الذين علموا ذلك ضعفاء الجن وبالذين نفى عنهم علم الغيب رؤساؤهم وكبارهم على ما روى عن قتادة وجوز عليه أن يراد بالأمر الملتبس عليهم أمر علم الغيب أو المراد بالجن الجنس بأن يسند للكل ما للبعض أو المراد كبارهم المدعون علم الغيب أي علم المدعون علم الغيب منهم عجزهم وأنهم لا يعلمون الغيب وهم وإن كانوا عالمين قبل ذلك بحالهم لكن أريد التهكم بهم كما تقول للمبطل إذا دحضت حجته هل تبينت أنك مبطل وأنت تعلم أنه لم يزل كذلك متبينا
وجوز أن يكون تبين بمعنى بان وظهر فهو غير متعد لمفعول كما في الوجه الأول فإن مفعوله فيه أن لو كانوا إلخ وهو في هذا الوجه بدل من الجن بدل إشتمال نحو تبين زيد جهله والظهور في الحقيقة مسند إليه أي فلما خر بان للناس وظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب ولا حاجة على ما قرر إلى إعتبار مضاف مقدر هو فاعل تبين في الحقيقة إلا أنه بعد حذفه أقيم المضاف إليه مقامه وأسند إليه الفعل ثم جعل أن لو كانوا إلخ بدلا منه بدل كل من كل والأصل تبين أمر الجن أن لو كانوا إلخ وجعل بعضهم في قوله تعالى أن لو كانوا يعلمون إلخ قياسا طويت كبراه فكأنه قيل لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين لكنهم لبثوا في العذاب المهين فهم لا يعلمون الغيب ومجيء تبين بمعنى بان وظهر لازما وبمعنى أدرك وعلم متعديا موجود في كلام العرب قال الشاعر : تبين لي أن القماءة ذلة وأن أعزاء الرجال طيالها وقال الآخر : أفأطم إني ميت فتبيني ولا تجزعي كل الأنام تموت وفي البحر نقلا عن إبن عطية قال : ذهب سيبويه إلى أن أن لا موضع لها من الأعراب وإنما هي منزلة منزلة القسم من الفعل الذي معناه التحقيق واليقين لأن هذه الأفعال التي هي تحققت وتيقنت وعلمت ونحوها

الصفحة 122