كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

عليه السلام ويحتاج هذا إلى نقل فإن مثله لا يقال بالرأي فإن كان فأهلا ومرحبا وقيل المراد به مجمع العبادة على دين موسى كما وقع في الحديث فسطاط إيمان
وقال القرطبي في التذكرة : المراد به فرقة منحازة عن غيرها مجتمعة تشبيها بالخيمة ولا يخفى ما فيهما وإن قيل إنهما أظهر من الأول وعن الثالث بأن المراد بالفراغ القرب من الفراغ وما قارب الشيء له حكمه وفيه بعد وأختير أن هذا رواية وذاك رواية والله تعالى أعلم بالصحيح منهما وروى أنه عليه السلام قد أمر ببناء صرح له فبنوه فدخله مختليا ليصفو له يوم في الدهر من الكدر فدخل عليه شاب فقال : له كيف دخلت على بلا إذن فقال : إنما دخلت بإذن فقال : ومن أذن لك قال : رب هذا الصرح فعلم أنه ملك الموت أتى لقبض روحه فقال : سبحان الله هذا اليوم الذي طلبت فيه الصفا فقال له : طلبت ما لم يخلق فأستوثق من الإتكاء على عصاه فقبض روحه وخفى على الحن موته حتى سقط وروى أن أفريدون جاء ليصعد كرسيه فلما دنا ضرب الأسدان ساقه فكسراها فلم يجسر أحد بعده أن يدنو منه ولذا لم تقربه الجن وخفى أمر موته عليهم
ونظر فيه بأن سليمان كان بعد موسى بمدة مديدة وأفريدون كان قبله لأن منوجهر من أسباط أفريدون وظهر موسى عليه في زمانه وعلى جميع الروايات الدالة على موته عليه السلام خروره لما كسرت العصا لضعفها بأكل الأرضة منها ونسبة الدلالة في الآية إليها نسبة إلى السبب البعيد
ومن الغريب ما نقل عن إبن عباس أنه عليه السلام مات في متعبده على فراشه وقد أغلق الباب على نفسه فأكلت الأرضة المنسأة أي عتبة الباب فلما خر أي الباب علم موته فإن فيه جعل ضمير خر للباب وإليه ذهب بعضهم وفيه أنه لم يعهد تسمية العتبة منسأة وأيضا كان اللازم عليه خرت بتاء التأنيث ولا يجيء حذفها في مثل ذلك إلا في ضرورة الشعر وكون التذكير على معنى العود بعيد فالظاهر عدم صحة الرواية عن الحبر والله تعالى أعلم
وحكى البغوي عنه أن الجن شكروا الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب وهذا شيء لا أقول به ولا أعتقد صحة الرواية أيضا وكان عمره عليه السلام ثلاثا وخمسين سنة وملك بعد أبيه وعمره ثلاثة عشر سنة وأبتدأ في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه ثم مضى وأنقضى وسبحان من لا ينقضي ملكه ولا يزول سلطانه وفي الآية دليل على أن الغيب لا يختص بالأمور المستقبلة بل يشمل الأمور الواقعة التي هي غائبة عن الشخص أيضا لقد كان لسبأ لما ذكر عزوجل حال الشاكرين لنعمه المنيبين إليه تعالى ذكر حال الكافرين بالنعمة المعرضين عنه جل شأنه موعظة لقريش وتحذيرا لمن كفر بالنعم وأعرض عن المنعم وسبأ في الأصل أسم رجل وهو سبا بن يشجب بالشين المعجمة والجيم كينصر بن يعرب بن قحطان وفي بعض الأخبار عن فروة بن مسيك قال : أتيت النبي فقلت : يارسول الله أخبرني عن سبأ أرجل هو أم أمرأة فقال : هو رجل من العرب ولد عشرة تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فالأزد وكندة ومذحج والأشعريون وأنمار ومنهم بجيلة وأما الذين تشاءموا فعاملة وغسان ولخم وجذام وفي شرح قصيدة عبدالمجيد إبن عبدون لعبدالملك بن عبدالله بن بدرون الحضرمي البستي أن سبأ بن يشجب أول ملوك اليمن في قول وأسمه عب شمس وإنما سبا لأنه أول من سبى السبي من ولد قحطان وكان ملكه أربعمائة وأربعا وثمانين سنة ثم سمى به الحي ومنع الصرف عنه إبن كثير وأبو عمرو بإعتبار جعله أسما للقبيلة ففيه العلمية والتأنيث وقرأ قنبل بإسكان

الصفحة 124