كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أو لمحل كل منهم المحفوفة بهما لم يحتج إلى التأويل أصلا فلا تغفل كلوا من رزق ربكم وأشكروا له جملة مستأنفة بتقدير قول أي قال لهم نبيهم كلوا إلخ وفي مجمع البيان قيل إن مساكنهم كانت ثلاثة عشر قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله عزوجل يقول كلوا من رزق ربكم إلخ وقيل : ليس هناك قول حقيقة وإنما هو قول بلسان الحال بلدة طيبة ورب غفور 51 أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور فرطات من يشكره والجملة إستئناف للتصريح بموجب الشكر ومعنى طيبة زكية مستلذة
يروى أنها كانت لطيفة الهواء حسنة التربة لا تحدث فيها عاهة ولا يكون فيها هامة حتى أن الغريب إذا حلها وفي ثيابه قمل أو براغيث ماتت وقيل : المراد بطيبها صحة هوائها وعذوبة مائها ووفور نزهتها وأنه ليس فيها حر يؤذي في الصيف ولا برد يؤذي في الشتاء وقرأ رويس بنصب بلدة وجميع ما بعدها وذلك على المدح والوصفية
وقال أحمد بن يحيى : بتقدير أسكنوا لدة طيبة وأعيدوا ربا غفورا ومن الإتفاقات النادرة إن لفظ بلدة طيبة بحساب الجمل وإعتبار هاء التأنيث بأربعمائة كما ذهب إليه كثير من الأدباء وقع تاريخا لفتح القسطنطينية وكانت نزهة بلاد الروم فأعرضوا أي عن الشكر كما يقتضيه المقام ويدخل فيه الإعراض عن الإيمان لأنه أعظم الكفر والكفران وقال أبو حيان : أعرضوا عما جاء به إليهم أنبياؤهم الثلاثة عشر حيث دعوهم إلى الله تعالى وذكروهم نعمه سبحانه فكذبوهم وقالوا ما نعرف لله نعمة فأرسلنا عليهم سيل العرم أي الصعب من عرم الرجل مثلث الراء فهو عارم وعرم إذا شرس خلقه وصعب وفي معناه ما جاء في رواية عن إبن عباس من تفسيره بالشديد وإضافة السيل إليه من إضافة الموصوف إلى الصفة ومن أباها من النحاة قال التقدير سيل الأمر العرم
وقيل : العرم المطر الشديد والإضافة على ظاهرها وقيل : هو أسم للجرذ الذي نقب عليهم سدهم فصار سببا لتسلط السيل عليهم وهو الفار الأعمى الإذي ي قال له الخلد وإضافة السيل إليه لأدنى ملابسة وقال إبن جبير : العرم المسناة بلسان الحبشة وقال الأخفش هو بهذا المعنى عربي وقال المغيرة بن حكيم : وأبو ميسرة : العرم في لغة اليمن جمع عرمة وهي كل ما بنى أو سنم ليمسك الماء ؤيقال لذلك البناء بلغة الحجاز المسناة والإضافة كما في سابقه والملابسة في هذا أقوى وعن إبن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل هو أسم الوادي الذي كان يأتي السيل منه وبنى السد فيه ووجه إضافة السيل إليه ظاهر وقرأ عزرة بن الورد فيما حكى إبن خالويه العرم بإسكان الراء تخفيفا كقولهم في الكبد الكبد روى أن بلقيس لما ملكت أقتتل قومها على ماء واديهم فتركت ملكها وسكنت قصرها وراودوها على أن ترجع فأبت فقالوا : لترجعن أو لنقتلنك فقالت لهم : أنتم لا عقول لكم ولا تطيعوني فقالوا : نطيعك فرجعت إلى واديهم وكانوا إذا مطروا أتاهم السيل من مسيرة ثلاثة أيام فأمرت فسد ما بين الجبلين بمسناة بالصخر والقار وحبست الماء من وراء السد وجعلت له أبوابا بعضها فوق بعض وبنت من دونه بركة منها إثنا عشر مخرجا على عدة أنهارهم وكان الماء يخرج لهم بالسوية إلى أن كان من شأنها مع سليمان عليه السلام ما كان
وقيل : الذي بنى لهم السد هو حمير أبو القبائل اليمنية وقيل بناه لقمان الأكبر بن عاد ورصف أحجاره بالرصاص والحديد وكان فرسخا في فرسخ ولم يزالوا في أرغد عيش وأخصب أرض حتى أن المراة تخرج وعلى رأسها

الصفحة 126