كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

المكتل فتعمل بيديها وتسير فيمتليء المكتل مما يتساقط من أشجار بساتينهم إلى أن أعرضوا عن الشكر وكذبوا الأنبياء عليهم السلام فسلط الله تعالى على سدهم الخلد فوالد فيه فخرقه فأرسل سبحانه سيلا عظيما فحمل السد وذهب بالجنان وكثير من الناس وقيل إنه أذهب السد فأحتمل أمر قسمة الماء ووصوله إلى جنانهم فيبست وهلكت وكان ذلك السيل على ما قيل في ملك ذي الأذعار بن حسان في الفترة بين نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وعيسى عليه السلام وفيه بحث على تقدير القول بأن الأعراض كان عما جاءهم من أنبيائهم الثلاثة عشر كما ستعلمه إن شاء الله تعالى عن قريب
وبدلناهم بجنتيهم أي أذهبنا جنتيهم وأتينا بدلها جنتين ذواتي أكل أي ثمر خمط أي حامض أو مر وعن إبن عباس الخمط الأراك ويقال لثمره مطلقا أو إذا أسود وبلغ البربر وقيل شجر الغضا ولا أعلم هل له ثمر أم لا وقال أبو عبيدة : كل شجرة مرة ذات شوك وقال إبن الأعرابي : هو ثمر شجرة على صورة الخشخاش لا ينتفع به وتسمى تلك الشجرة على ما قيل بفسوة الضبع وهو على الأول صفة لأكل والأمر في ذلك ظاهر وعلى الأخير عطف بيان على مذهب الكوفيين المجوزين له في النكرات وقيل بدل وعلى ما بينهما الكلام على حذف مضاف أي أكل أكل خمط وذلك المضاف بدل من أكل أو عطف بيان عليه ولما حذف أقيم المضاف إليه مقامه وأعرب بإعرابه كما في البحر وقيل هو بتقدير أكل ذي خمط وقيل هو بدل من باب يعجبني القمر فلكه وهو كما ترى ومنع جعله وصفا من غير ضرب من التأويل لأن الثمر لا يوصف بالشجر لا لأن الوصف بالأسماء الجامدة لا يطرد وإن جاء منه شيء نحو مررت بقاع عرفج فتأمل
وقرأ أبو عمرو أكل خمط بالإضافة وهو من باب ثوب خز وقرأ إبن كثير أكل بسكون الكاف والتنوين وأثل ضرب من الطرفاء على ما قاله أبو حنيفة اللغوي في كتاب النبات له وعن إبن عباس تفسيره بالطرفاء ونقل الطبرسي قولا أنه السمر وهو عطف على أكل ولم يجوز الزمخشري عطفه على خمط معلالا بأن الأثل لا ثمر له والأطباء كداؤد الأنطاكي وغيره يذكرون له ثمرا كالحمص ينكسر عن حب صغار ملتصق بعضه ببعض ويفسرون الأثل بالعظيم من الطرفاء ويقولون في الطرفاء هو بري لا ثمر له وبستاني له ثمر لكن قال الخفاجي : لا يعتمد على الكتب الطبية في مثل ذلك وفي القلب منه شيء ونحن قد حققنا أن للأثل ثمرا وكذا لصنف من الطرفاء إلا أن ثمرهما لا يؤكل ولعل مراد النافي نفي ثمرة تؤكل والأطباء يعدون ما تخرجه الشجر غير الورق ونحوه ثمرة أكلت أم لا ومثله في العطف على ذلك في قوله تعالى :
وشيء من سدر قليل 61 وحكى الفضيل بن إبراهيم أنه قريء أثلا وشيئا بالنصب عطفا على جنتين والسدر شجر النبق وقال الأزهري : السدر سدران سدر لا ينتفع به ولا يصلح ورقه للغسول وله ثمرة عفصة لا تؤكل وهو الذي يسمى الضال وسدر ينبت على الماء وثمره النبق وورقه غسول يشبه شجر العناب إنتهى وأختلف في المراد هنا فقيل الثاني ووصف بقليل لفظا ومعنى أو معنى فقط وذلك إذا كان نعتا لشيء المبين به لأن ثمره مما يطيب أكله فجعل قليلا فيما بدلوا به لأنه لو كثر كان نعمة لا نقمة وإنما أوتوه تذكيرا للنعم الزائلة لتكون حسرة عليهم وقيل المراد به الأول حتما لأنه الأنسب بالمقام ولم يذكر نكتة الوصف بالقليل عليه
ويمكن أن يقال في الوصف به مطلقا أن السدر له شأن عند العرب ولذا نص الله تعالى على وجوده في الجنة

الصفحة 127