كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

عن ظرفيته وقريء بوعد مبنيا للمفعول وقرأ إبن يعمر سفرنا بالأفراد وظلموا أنفسهم حيث عرضوها للسخط والعذاب حين بطروا النعمة وغمطوها فجعلناهم أحاديث جمع أحدوثة وهي ما يتحدث به على سبيل التلهي والإستغراب لا جمع حديث على خلاف القياس وجعلهم نفس الأحاديث إما على المبالغة أو تقدير المضاف أي جعلناهم بحديث يتحدث الناس بهم متعجبين من أحوالهم ومعتبرين بعاقبتهم ومآلهم
وقيل المراد لم يبق منهم إلا الحديث عنهم ولو بقى منهم طائفة لم يكونوا أحاديث ومزقناهم كل ممزق أي فرقناهم كل تفريق على أن الممزق مصدر أو كل مطرح وكان تفريق على أنه أسم مكان وفي التعبير بالتمزيق الخاص بتفريق المتصل وخرقه من تهويل الأمر والدلالة على شدة التأثير والإيلام ما لا يخفى أي مزقناهم تمزيقا لا غاية وراءه بحيث يضرب مثلا في كل فرقة ليس بعدها وصال وعن إبن سلام أن المراد جعلناهم ترابا تذروه الرياح وهو أوفق بالتمزيق إلا أن جميع أجلة المفسرين على خلافه وأن المراد بتمزيقهم تفريقهم بالتباعد وقد تقدم لك غير بعيد حديث كيفية تفرقهم في جواب رسول الله لفروة بن مسيك
وفي الكشاف لحق غسان بالشام وأنمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان وفي التحرير وقع منهم قضاعة بمكة وأسد بالبحرين وخزاعة بتهامة وظاهر الآية أن ذلك كان بعد إرسال السيل العرم وفي البحر أن في الحديث أن سبأ أبو عشرة قبائل فلما جاء السيل على مأرب تيامن منها ستة قبائل وتشاءمت أربعة وزعم بعضهم أن تفرقهم كان قبيل مجيء السيل
قال عبدالملك في شرح قصيدة إبن عبدون إن أرض سبأ من اليمن كانت العمارة فيها أزيد من مسيرة شهرين للراكب المجد وكان أهلها يقتبسون النار بعضهم من بعض مسيرة أربعة أشهر فمزقوا كل ممزق وكان أول من خرج من اليمن في أول الأمر عمرو بن عامر مزيقيا وكان سبب خروجه أنه كانت له زوجة كاهنة يقال لها طريفة الخير وكانت رأت في منامها أن سحابة غشيت أرضهم فأرعدت وأبرقت ثم صعقت فأحرقت كل ما وقعت عليه ففزعت طريفة لذلك فزعا شديدا وأتت الملك عمرا وهي تقول ما رأيت كاليوم أزال عني النوم رأيت غيما أرعد وأبرق وزمجر وأصعق فما وقع على شيء إلا أحرق فلما رأى ما داخلها من الفزع سكنها ثم أن عمرا دخل على حديقة له ومعه جاريتان من جواريه فبلغ ذلك طريفة فخرجت إليه وخرج معها وصيف لها أسمه سنان فلما برزت من بيتها عرض لها ثلاث مناجد منتصبات على أرجلهن واضعات أيديهن على أعينهن وهي دواب تشبه اليرابيع فقعدت إلى الأرض واضعة يديها على عينيها وقالت : لوصيفها إذا ذهبت هذه المناجد فأخبرني فلما ذهبت أخبرها فأنطلقت مسرعة فلما عارضها الخليج الذي في حديقة عمرو وثبت من الماء سلحفاة فوقعت على الطريق على ظهرها وجعلت تروم الإنقلاب فلا تستطيع وتستعين بذنبها فتحثو التراب على بطنها من جنباته وتقذف بالبول عل بطنها قذفا فلما رأتها طريفة جلست إلى الأرض فلما عادت السلحفاة إلى الماء مضت طريفة إلى أن دخلت على عمرو وذلك حين إنتصف النهار في ساعة شديد حرها فإذا الشجر يتكافأ من غير ريح فلما رآها إستحى منها وأمر الجاريتين بالإنصراف إلى ناحية ثم قال لها ياطريفة فكهنت وقالت والنور والظلماء والأرض والسماء إن الشجر لهالك وليعودن الماء كما كان في الزمن السالك قال عمرو : من أخبرك بهذأ قالت : أخبرتني المناجد بسنين شدائد يقطع فيها الولد الوالد قال : ما تقولين قالت : أقول قول الندمان لهيفا لقد رأيت سلحفا تجرف التراب

الصفحة 131