كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

جرفا وتقذف بالبول قذفا فدخلت الحديقة فإذا الشجر من غير ريح يتكفى قال : ما ترين في ذلك قالت : هي داهية دهياء من أمور جسيمة ومصايب عظيمة قال : وما هو ويلك قالت : أجل وإن فيه الويل ومالك فيه من نيل وإن الويل فيما يجيء به السيل فألقى عمرو عن فراشه وقال : ما هذا ياطريفة قالت : خطب جليل وحزن طويل وخلف قليل قال : وما علامة ما تذكرين قالت : أذهب إلى السد فإذا رأيت جرذا يكثر بيديه في السد الحفر ويقلب برجليه من أجل الصخر فأعلم أن الغمر عمر وأنه قد وقع الأمر قال : وما الذي تذكرين قالت : وعد من الله تعالى نزل وباطل بطل ونكال بنا نكل فبغيرك ياعمرو يكون الثكل فأنطلق عمرو فإذا الجرذ يقلب برجليه صخرة ما يقلها خمسون رجلا فرجع وهو يقول : أبصرت أمرا عادني منه ألم وهاج لي من هوله برح السقم من جرذ كفحل خنزير الأجم أو كبش صرم من أفاويق الغنم يسحب قطرا من جلاميد العرم له مخاليب وأنياب قضم
ما فاته سحلا من الصخر قصم
فقالت طريفة : وإن من علامة ذلك الذي ذكرته لك أن تجلس فتأمر بزجاجة فتوضع بين يديك فإن الريح يملؤها من تراب البطحاء من سهل الوادي وحزنه وقد علمت أن الجنان مظلة لا يدخلها شمس ولا ريح فأمر عمرو بزجاجة فوضعت بين يديه ولم تمكث إلا قليلا حتى أمتلأت من التراب فأخبرها بذلك وقال لها : متى يكون ذلك الخراب الذي يحدث في السد قالت له : فيما بيني وبينك سبع سنين قال : ففي أيها يكون قالت : لا يعلم بذلك إلا الله تعالى ولو علمه أحد لعلمته وأنه لا تأتي على ليلة فيما بيني وبين السبع سنين إلا ظننت هلاكه في غدها أو في مسائها ثم رأى عمرو في منامه سيل العرم وقيل له : إن آية ذلك أن ترى الحصباء قد ظهرت في سعف النخل فنظر إليها فوجد الحصباء قد ظهرت فيها فعلم أنه واقع وأن بلادهم ستخرب فكتم ذلك وأجمع على بيع كل شيء له بأرض مأرب وأن يخرج منها هو وولده ثم خشى أن تنكر الناس عليه ذلك فأمر أحد أولاده إذا دعاه لما يدعوه إليه أن يتأبى عليه وأن يفعل ذلك به في الملأ من الناس وإذا لطمه يرفع هو يده ويلطمه ثم صنع عمرو طعاما وبعث إلى أهل مأرب أن عمرا قد صنع طعاما يوم مجد وذكر فأحضروا طعامه فلما جلس الناس للطعام جلس عنده إبنه الذي أمره بما قد أمره فجعل يأمره فيتأبى عليه فرفع عمرو يده فلطمه فلطمه إبنه وكان أسمه مالكا فصاح عمرو وإذلاه يوم فخر عمرو وبهجته صبي يضرب وجهه وحلف ليقتلنه فلم يزالوا يرغبون إليه حتى ترك وقال : والله لا أقيم بموضع صنع فيه بي هذا ولأبيعن أموالي حتى لا يرث بعدي منها شيئا فقال الناس : بعضهم لبعض أغتنموا غيظ عمرو وأشتروا منه أمواله قبل أن يرضى فأبتاع الناس منه كل ماله بأرض مأرب وفشا بعض حديثه فيما بلغه من شأن سيل العرم فقام ناس من الأزد فباعوا أموالهم فلما أكثروا البيع أستنكر الناس ذلك فأمسكوا عن الشراء فلما أجتمعت إلى عمرو أمواله أخبر الناس بشأن السيل وخرج فخرج لخروجه منها بشر كثير فنزلوا أرض عك فحاربتهم عك فأرتحلوا عن بلادهم ثم أصطلحوا وبقوا بها حتى مات عمرو وتفرقوا في البلاد فمنهم من سار إلى الشام وهم أولاد جفنة بن عمرو بن عامر ومنهم من سار إلى يثرب وهم أبناء قيلة الأوس والخزرج وأبوهما حارثة بن ثعلية بن عمرو بن عامر وسارت أزد السراة إلى السراة وأزد عمان

الصفحة 132