كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

إلىإلى عمان وسار مالك بن فهم إلى العراق ثم خرجت بعد عمرو بيسير من أرض اليمن طيء فنزلت أجأ وسلمى ونزلت أبناء ربيعة بن حارثة بن عامر بن عمرو تهامة وسموا خزاعة لإنخزاعهم من أحوانهم ثم أرسل الله تعالى على السد السيل فهدمه وفي ذلك يقول ميمون بن قيس الأعشى : وفي ذاك للمؤتسى أسوة ومأرب عفا عليها العرم رخام بنته لهم حمير إذا جاء مواره لم يرم فأروى الزروع وأعنابها على سعة ماؤهم إذ قسم فصاروا أيادي ما يقدرو ن منه على شرب طفل فطم وذكر الميداني عن الكلبي عن أبي صالح أن طريفة الكاهنة قد رأت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين فباع عمرو بن عامر أمواله وسار هو وقومه حتى إنتهوا إلى مكة فأقاموا بها وبما حولها فأصابتهم الحمى وكانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى فدعوا طريفة فشكوا إليها الذي أصابهم فقالت لهم : أصابني الذي تشكون وهو مفرق بيننا قالوا فماذا تأمرين قالت : من كان منكم ذا هم بعيد وجمل شديد ومزاد جديد فليلحق بقصر عمان المشيد فكانت أزد عمان ثم قالت : من كان منكم ذا جلد وقسر وصبر على أزمات الدهر فعليه بالأراك من بطن مر فكانت خزاعة ثم قالت : من كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل فليحلق بيثرب ذات النخل فكانت الأوس والخزرج ثم قالت : من كان منكم يريد الخمر والخمير والملك والتأسير ويلبس الديباج والحرير فليلحق ببصرى وغوير وهما من أرض الشام فكان الذين سكنوها آل جفنة من غسان ثم قالت : من كان منكم يريد الثياب الرقاق والخيل العتاق وكنوز الأرزاق والدم المهراق فليحلق بأرض العراق فكان الذين سكنوها آل جذيمة الأبرش ومن كان بالحيرة وآل محرق والحق أن تمزيقهم وتفريقهم في البلاد كان بعد إرسال السيل نعم لا يبعد خروج بعضهم قبيله حين أستشعروا وقوعه وفي المثل ذهبوا أيدي سبأ ويقال تفرقوا أيدي سبأ ويروى أيادي وهو بمعنى الأولاد لأنهم أعضاد الرجل لتقويه بهم
وفي المفصل أن الأيدي الأنفس كناية أو مجازا قال في الكشف : وهو حسن ونصبه على الحالية بتقدير مثل لإقتضاء المعنى إياه مع عدم تعرفه بالإضافة وقيل : إنه بمعنى البلاد أو الطرق من قولهم خذ يد البحر أي طريقه وجانبه أي تفرقوا في طرق شتى والظاهر أنه على هذا منصوب على الظرفية بدون تقديرفيكما أشار إليه الفاضل اليمني وربما يظن أن الأيدي أو الأيادي بمعنى النعم وليس كذلك ويقال في الشخص إذا كان مشتت الهم موزع الخاطر كان أيادي سبأ وعليه قول كثير عزة : أيادي سبأ ياعز ما كنت بعدكم فلم يحل بالعينين بعدك منظر إن في ذلك أي فيما ذكر من قصتهم لآيات عظيمة لكل صبار أي شأنه الصبر على الشهوات ودواعي الهوى وعلى مشاق الطاعات وقيل : شأنه الصبر على النعم بأن لا يبطر ولا يطغى وليس بذاك شكور 91 شأنه الشكر على النعم وتخصيص هؤلاء بذلك لأنهم المنتفعون بها ولقد صدق عليهم إبليس ظنه أي حقق عليهم ظنه أو وجد ظنه صادقا والظاهر أن ضمير عليهم عائإد على سبأ ومنشأ ظنه رؤية إنهماكهم في الشهوات وقيل : هو لبني آدم ومنشأ ظنه أنه شاهد أباهم آدم عليه السلام وهو هو قد اصغى إلى وسوسته

الصفحة 133