كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

الجزاء وإلى هذا يشير كلام كثير من أئمة التفسير وقيل : المعنى لنجعل المؤمن متميزا من غيره في الخارج فيتميز عند الناس وقيل : المراد من وقوع العلم في المستقبل وقوع المعلوم لأنه لازمه فكأنه قيل ما كان ذلك لأمر من الأمور إلا ليؤمن من قدر إيمانه ويضل من قدر ضلاله وعدل عنه إلى ما في النظم الجليل للمبالغة لما فيه من جعل المعلوم عين العلم وقيل المراد بالعلم الجزاء فكأنه قيل على الأيمان وضده وقيل : العلم على ظاهره إلا أن المستقبل بمعنى الماضي وعلم الله تعالى الأزلي بأهل الشك يستدعي تسلط الشيطان عليهم
وقيل : المراد لنعامل معاملة من كأنه لا يعلم ذلك وإنما يعمل ليعلم وقيل : المراد ليعلم أولياؤنا وحزبنا ذلك ولا يخفى عليك ما في بعض هذه الأقوال وكان الظاهر إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن لا يؤمن بها وعدل عنه إلى ما فيه النظم الجليل لنكتة وهي أنه قوبل الإيمان بالشك ليؤذن بأن أدنى مراتب الكفر مهلكة وأورد المضارع في الجملة الأولى إشارة إلى أن المعتبر في الإيمان الخاتمة ولأنه يحصل بنظر تدريجي متجدد وأتى بالثانية أسمية إشارة إلى أن المعتبر الدوام والثبات على الشك إلى الموت ونون شكا للتقليل وأتى بفي إشارة إلى أن قليله كأنه محيط بصاحبه وعداه بمن دون في وقدمه لأنه إنما يضر الشك الناشيء منها وأنه يكفي شك ما فيما يتعلق بها
وقرأ الزهري ليعلم بضم الياء وفتح اللام مبنيا للمفعول وربك على كل شيء حفيظ 12 أي وكيل قائم على أحواله وشؤونه وهو إما مبالغة في حافظ وإما بمعنى محافظ كجليس ومجالس وخليط ومخالط ورضيع ومراضع إلى غير ذلك
قل يامحمد للمشركين الذين ضرب لهم المثل بقصة سبأ المعروفة عندهم بالنقل في أخبارهم وأشعارهم تنبيها على بطلان ما هم عليه وتبكيتا لهم أدعوا الذين زعمتم أي زعمتموهم آلهة كذا قدره الجمهور على أن الضمير مفعول أول وآلهة مفعول ثان وحذف الأول تخفيفا لأن الصلة والموصول بمنزلة أسم واحد فهناك طول يطلب تخفيفه والثاني لأن صفته أعني قوله تعالى : من دون الله سدت مسده فلا يلزم إجحاف بحذفهما معا ولا يجوز أن يكون من دون الله هو المفعول الثاني إذ لا يتم به مع الضمير الكلام ولا يلتئم النظام فأ معنى معتبر لهم من دون الله على أن في جواز حذف أحد مفعولي هذا اباب إختصارا خلافا ومن أجازه قال هو قليل في كلامهم وكذا لا يجوز أن يكون لا يملكون لأن ما زعموه ليس كونهم غير مالكين بل خلافه وليس ذلك ايضا بزعم بالمعنى الشائع لو سلم أنه ص در منهم بل حق وقال إبن هشام : الأولى أن يقدر زعمتم أنهم آلهة لأن الغالب علىزعم أن لا يقع على المفعولين الصريحين بل على ما يسد مسدهما من أن وصلتهما ولم يقع في التنزيل إلا كذلك أي فلأنسب أن يوافق المقدر المصرح به في التنزيل
ورجح تقدير الجمهور بأنه أبعد عن لزوم الإجحاف والأمر للتوبيخ والتعجيز أي أدعوهم فيما يهمكم من دفع ضر أو جلب تقع لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم روى أن ذلك نزل عند الجوع الذي أصاب قريشا
وقوله تعالى : لا يملكون مثقال ذرة كلام مستأنف في موقع الجواب ولم يهملهم ليجيبوا إشعارا بتعينه فإنه لا يقبل المكابرة وجوز تقدير ثم أجب عنهم قائلا لا يملكون إلخ وهو متضمن بيان حال الآلهة في الواقع

الصفحة 135