كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وأنهم إذا لم يملكوا مقدار ذرة أي من خير وشر ونفع وضر كيف يكونون آلهة تعبد
في السموات ولا في الأرض أي في أمر من الأمور وذكر السموات والأرض للتعميم عرفا فيراد بهما جميع الموجودات وهذا كما يقال المهاجرون والأنصار ويراد جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فلا يتوهم أنهم يملكون في غيرهما ويجوز أن يقال : إن ذكرهما لأن بعض آلهة المخاطبين سماوية كالمةئكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام فالمراد نفي قدرة السماوي منهم على أمر سماوي والأرضي على أمر أرضي ويعلم نفي قدرته على غيره بالطريق الأولى أو لأن الأسباب القريبة للخير والشر سماوية وأرضية فالمراد نفي قدرتهم بشيء من الأسباب القريبة فكيف بغيرها وما لهم أي لآلهتهم فيهما من شرك أي شركة لا خلقا ولا ملكا ولا تصرفا وما له أي لله عزوجل منهم أي من آلهتهم من ظهير 22 أي معين يعينه سبحانه في تدبير أمرهما ولا تنفع الشفاعة عنده أي لا توجد رأسا كما في قوله :
على لا حب لا يهتدي بمناره
لقوله تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وإنما علق النفي بنفعها دون وقوعها تصريحا بنفي ما هو غرضهم من وقوعها
وقوله تعالى : إلا من أذن له إستثناء مفرغ من أعم الأحوال على ما أختاره الزمخشري و من عبارة عن الشافع واللام الداخلة عليه للإختصاص مثلها في الكرم لزيد ولام له صلة أذن والمراد نفي شفاعة آلهتهم لهم لكن ذكر ذلك على وجه عام ليكون طريقا رهانيا أي لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال أو كائنة لمن كانت الأ كائنة لشافع أذن له فيها من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة ومن البين أنهم لا يؤذن لهم في الشفاعة للكفار فقد قال الله تعالى لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا والشفاعة لهم بمعزل عن الصواب وعدم الأذن للأصنام أبين وأبين فتبين حرمان هؤلاء الكفرة منها بالكلية أو من عبارة عن المشفوع له واللام الداخلة عليه للتعليل ولام له صلة أذن أي لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمشفوع أذن له اي لشفيعه على الإضمار لأن المشفوع لم يصدر عنه فعل حتى يؤذن له فيه أن يشفعه وأختار الزمخشري أن لام له للتعليل أي إلا لمن وقع الأذن للشفيع لأجله ووجهه على ما في الكشف حصول الإشارة إلى الشافع والمشفوع لأن المأذون لأجله المشفوع والمأذون الشافع ولأن الغرض بيان محل النفع وهو المشفوع كان التصريح بذكره أهم ولا يخفى أن الوجه السابق ظاهر التكلف فيه الإضمار الذي لا يقتضيه المقام وحاصل المعنى على هذا لا تنفع الشفاعة من الشفعاء المستأهلين لها إلا كائنة لمن وقع الأذن للشفيع لأجله وفي شأنه من المستحقين للشفاعة وأما من عداهم من غير المستحقين لها فلا تنفعهم أصلا وإن فرض وقوعها من الشفعاء إذ لم يؤذن لهم في شفاعتهم بل في شفاعة غيرهم ويثبت من هذا حرمان هؤلاء الكفرة من شفاعة الشفعاء المستأهلين للشفاعة بعبارة النص وعن شفاعة الأصنام بدلالته إذ حين حرموها من جهة القادرين عليها في الجملة فلأن يحرموها من جهة العجزة عنها بالكلية أولى وذهب أبو حيان إلى أن الإستثناء من أعم الذوات أي لا تنفع الشفاعة لأحد إلا لمن إلخ وأستظهر إحتمال أن تكون من عبارة عن المشفوع له واللام نظرا إلى الظاهر متعلقة بالشافعة وجوز أبو البقاء تعلقها بتنفع وتعقبه بأنه لا يتعدى إلا بنفسه وقال أبو حيان فيه : إن المفعول متأخر فدخول اللام قليل وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي أذن مبنيا للمفعول فله قائم مقام

الصفحة 136