كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

فاعله حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق صيغة التفعيل للسلب كما في قردت البعير إذا أزلت قراده ومنه التمريض فالتفزيع إزالة الفزع وهو على ما قال الراغب إنقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف و حتى للغاية وأختلفوا في المغيا إذ لم يكن قبلها ما يصلح أن يكون مغيا بحسب الظاهر وأختلفوا لذلك في المراد بالآية إختلافا كثيرا فقيل : هو ما يفهم من حديث الشفاعة ويشير إليه وذلك أن قوله تعالى ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له يؤذن بشفعاء ومشفوع لهم وأن هناك إستئذانا في الشفاعة ضرورة أن وقوع الأذن يستدعي سابقيه ذلبك وهو مستدع للترقب والإنتظار للجواب وحيث أنه كلام صادر عن مقام العظمة والكبرياء كيف وقد تقدمه يدل على كون الكل في ذلك الموقف خلف سرادق العظمة ملقى عليهم رداء الهيبة وما بعد حرف الغاية أيضا شديد الدلالة على ذلك فكأنه قيل : تقف الشفعاء والمشفوع لهم في ذلك الموقف الذي يتشبث فيه المستشفعون بأذيال الرجاء من المستشفع بهم ويقوم فيه المستشفع به على قدم الإلتجاء إلى الله جل جلاله فيطرق باب الشفاعة بالإستئذان فيها ويبقون جميعا منتظرين وجلين فزعين لا يدرون ما يوقع لهم الملك الأعظم جل وعلا على رقعة سؤالهم وماذا يصح بعد عرض حالهم حتى إذا أزيل الفزع عن قلوب الشفعاء والمشفوع لهم بظهور تباشير حسن التوقيع وسطوع أنوار الإجابة والإرتضاء من آفاق رحمة الملك الرفيع قالوا أي قال بعضهم لبعض والظاهر أن البعض القائل المشفوع لهم وإن شئت فأعد الضمير إليهم من أول الأمر إذ هم الأشد إحتياجا إلى الأذن والأعظم إهتماما بأمره ماذا قال ربكم في شأن الأذن بالشفاعة قالوا : أي الشفعاء فإنهم المباشرون للإستئذان بالذات المتوسطون لأولئك السائلين بالشفاعة عنده عزوجل قال ربنا القول الحق أي الواقع بحسب ما تقتضيه الحكمة وهو الأذن بالشفاعة لمن أرتضى
والظاهر أن قوله تعالى : وهو العلي الكبير 32 من تتمة كلام الشفعاء قالوه إعترافا بعظمة جناب العزة جل جلاله وقصور شأن كل من سواه أي هو جل شأنه المتفرد بالعلو والكبرياء لا يشاركه في ذلك أحد من خلقه وليس لكل منهم كائنا من كان أن يتكلم إلا من بعد إذنه جل وجلا وفيه من تواضعهم بعد ترفيع قدرهم بالأذن لهم بالشفاعة ما فيه وفيه أيضا نوع من الحمد كما لا يخفى وهذه الجملة المغيات بما ذكر لا يبعد أن تكون جوابا لسؤال مقدر كأنه قيل : كيف يكون الأذن في ذلك الموقف للمستأذنين وكيف الحال فيه للشافعين والمستشفعين فقيل : يقفون منتظرين وجلين فزعين حتى إذا إلخ والآيات دالة على أن المشفوع لهم هم المؤمنون وأما الكفرة فهم عن موقف الإستشفاع بمعزل وعن التفزيع عن قلوبهم بألف ألف منزل وجعل بعضهم على هذا الوجه من كون المغيا ما ذكر ضمير قلوبهم للملائكة وخص الشفعاء بهم وضمير قالوا الأول لهم أيضا وضمير قالوا الثاني للملائكة الذين فوقهم وهم الذين يبلغون ذلك إليهم وقال : إن فزعهم إما لما يقرن به الأذن من الأمر الهائل أو لغشية تصيبهم عند سماع كلام الله جل شأنه أو من ملاحظة وقوع التقصير في تعيين المشفوع لهم بناء على ورود الأذن بالشفاعة إجمالا وهو كما ترى
8 - وقال الزجاج : تفسير هذا أن جبريل عليه السلام لما نزل إلى النبي بالوحي ظنت الملائكة عليهم السلام أنه نزل بشيء من أمر الساعة ففزعت لذلك فلما أنكشف عنها الفزع قالوا : ماذا قال : ربكم سألت لأي شيء

الصفحة 137