كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

نزل جبريل عليه السلام قالوا : الحق
روى ذلك عن قتادة ومقاتل وإبن السائب بيد أنهم قالوا : إن الملائكة صعقوا لذلك فجعل جبريل عليه السلام يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي ولم يبين الزجاج وجه إتصال الآية بما قبلها ولا بحث عن الغاية بشيء وقد ذكر نحو ذلك الإمام الرازي ثم قال في ذلك : أن حتى غاية متعلقة بقوله تعالى : قل لأنه تبينه بالوحي فلما قال سبحانه قل فزع من في السموات وهو لعمري من العجب العجاب
وقال الفاضل الطيبي بعد نقله ذلك التفسير : وعليه أكثر كلام المفسرين ويعضده ما روينا عن البخاري والترمذي وإبن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة أجنحتها خضعانا لقوله تعالى كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم قالوا الذي قال الحق وهو العلي الكبير وعن أبي داؤد عن إبن مسعود قال إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا أتاهم جبريل عليه السلام فزع عن قلوبهم فيقولون : ياجبريل ماذا قال ربكم فيقول : الحق الحق ثم ذكر في أمر الغاية وإتصال الآية بما قبلها على ذلك أنه يستخرج معنى المغيا من المفهوم وذلك إن المشركين لما أدعوا شفاعة الآلهة والملائكة وأجيبوا بقوله تعالى قل أدعوا الذين زعمتم من دون الله من الأصنام والملائكة وسميتموهم بأسمه تعالى وألتجؤا إليهم فإنهم لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا تنفع الشفاعة من هؤلاء إلا للملائكة لكن مع الأذن والفزع العظيم وهم لا يسفعون إلا للمرضيين فعبر عن الملائكة عليهم السلام بقوله تعالى إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم الآية كناية كأنه قيل : لا تنفع الشفاعة إلا لمن هذا شأنه ودأبه وأنه لا يبثت عند صدمة من صدمات هذا الكتاب المبين وعند سماع كلام الحق يعني الذين إذا نزل عليهم الوحي يفزعون ويصعقون حتى إذا أتاهم جبريل عليه السلام فزع عن قلوبهم فيقولون : ماذا قال ربكم فيقولون : الحق إنتهى ولا يخفى على من له أدنى تمييز حاله وأنه مما لا ينبغي أن يعول عليه
وقول إبن عطية : إن تأويل الآية بالملائكة إذا سمعت الوحي إلى جبريل أو الأمر بأمر الله تعالى به فتسمع كجر سلسلة الحديد على الحديد فتفزع تعظيما وهيبة وقيل خوف قيام الساعة هو الصحيح وهو الذي تظاهرت به الأحاديث ناشيء من حرمان عطية سلامة الذوق وتدقيق النظر والتفسير الذي ذكرناه أولا بمراحل في الحسن عما ذكر عن أكثر المفسرين وما سمعت من الرواية لا ينافيه إذ لا دلالة فيه على أنه عليه الصلاة و السلام ذكر ذلك في معرض تفسير الآية ولا تنافي بين التفزيعين وكأن الأكثر من المفسرين نظروا إلى ظاهر طباق اللفظ مع الحديث فنزلوا الآية على ذلك فوقعوا فيما فيه وإن كثروا وجلوا والقائل بما سبق نظر إلى طباق المقام وحقق عدم المنافاة وظهر له حال ما قالوه فعدل عنه
وأخرج إبن جرير وإبن أبي حاتم عن الضحاك أنه قال في الآية : زعم إبن مسعود أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض يكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الرب تبارك وتعالى فأنحدروا سمع لهم صوت شديد فيحسب الذين أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة فيخرون سجدا وهذا كلما مروا عليهم فيفعلون من خوف ربهم تبارك وتعالى وإبن مسعود عندي أجل من أن يحمل الآية على هذا فالظاهر انه لا يصح عنه

الصفحة 138