كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

ومثل هذا ما زعمه بعضهم أن ذاك فزع ملائكة أدنى السموات عند نزول المدبرات إلى الأرض وقيل إن حتى غاية متعلقة بقوله تعالى زعمتم أي زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع ثم تركتم ما زعمتم وقلتم قال الحق وإليه يشير ما أخرج إبن أبي حاتم عن زيد بن اسلم أنه قال في الآية : حتى فزع الشيطان عن قلوبهم ففارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم به قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ثم قال : وهذا في بني آدم أي كفارهم عند الموت أقروا حين لا ينفعهم الإقرار والظاهر أن في الكلام عليه إلتفاتا من الخطاب في زعمتم إلى الغيبة في قلوبهم وأن ضمير قالوا الأول للملائكة الموكلين بقبض أرواحهم والمراد بالتفزيع عن القلوب كشف الغطاء وموانع إدراك الحق عنها وما نقل عن الحسن من أنه قال : إنما يقال للمشركين ماذا قال ربكم أي على لسان الأنبياء عليهم السلام فأقروا حين لا ينفع يحتمل أن يكون كالقول المذكور في أن ذلك عند الموت ويحتمل أن يكون قولا بأن ذلك يوم القيامة إلا أن في جعل حتى غاية للزعم عليه غير ظاهر إذ لا يستصحبهم ذلك إلى يوم القيامة حقيقة كما لا يخفى وأبعد من هذا القول كون ذلك غاية لقوله تعالى ممن هو منها في شك وضمير قلوبهم لمن بإعتبار معناه والتفزيع كشف الغطاء ومواقع إدراك الحق بل هو مما لا ينبغي حمل كلام الله تعالى عليه
وزعم بعضهم أن المعنى إذا دعاهم إسرافيل عليه السلام من قبورهم قالوا مجيبين ماذا قال ربكم حكاه في البحر ثم قال : والتفزيع من الفزع الذي هو الدعاء والإستصراخ كما قال زهير : إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم طوال الرماح لإضعاف ولا عزل وأنت تعلم أن التفزيع بالمعنى المذكور لا يتعدى بعن وأمر الغاية عليه غير ظاهر وبالجملة ذلك الزعم ليس بشيء
وأختار أبو حيان أن المغيا الإتياع في قوله تعالى ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فأتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وضمير قلوبهم عائد إلى ما عاد إليه ضمير الرفع في أتبعوه أعني الكفار وكذا ضمير قالوا الثاني وضمير قالوا الأول للملائكة وكذا ضمير ربكم وجملة قوله تعالى : قل أدعوا الذين إلخ إعتراضية بين الغاية والمغيا والتفزيع حال مفارقة الحياة أو يوم القيامة وبجعل إتباعهم إبليس مستصحبا لهم إلى ذلك اليوم مجازا ولا يخفى بعده والوجه عندي ما ذكر أولا و ماذا تحتمل أن تكون منصوبة بقال أي أي شيء قال ربكم وتحتمل أن تكون في موضع رفع على أن ما أسم إستفهام مبتدأ وذا أسم موصول خبره وجملة قال صلة الموصول والعائد محذوف أي ما الذي قاله ربكم وقرأ إبن عباس وإبن مسعود وطلحة وأبو المتوكل الناجي وإبن المسيقع وإبن عامر ويعقوب فزع بالتشديد والبناء للفاعل والفاعل ضمير الله تعالى المستتر أي أزال الله تعالى الفزع عن قلوبهم
وقال أبو حيان : هو ضميره تعالى إن كان ضمير قلوبهم للملائكة وإن كان للكفار فهو ضمير مغريهم
وقرأ الحسن فزع بالتخفيف والبناء للمفعول فعن قلوبهم نائب الفاعل كما في قراءة الجمهور وقرأ هو وأبو المتوكل أيضا وقتادة ومجاهد فزع بالفاء والراء المهملة والغين المعجمة مشددا مبنيا للفاعل بمعنى أزال وقرأ الحسن أيضا كذلك إلا أنه خفف الراء وقرأ عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما والحسن أيضا وأيوب السختياني وقتادة أيضا وأبو مجلز فزع كذلك إلا أنهم بنوه للمفعول وقرأ إبن مسعود في رواية وعيسى أفرنقع قيل بمعنى تفرق
وقال الزمخشري : بمعنى أنكشف والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين كما ركب أقمطر من حروف القمط مع زيادة الراء وفيه إيهام أن العين والراء من حروف الزيادة وليس كذلك وقرأ إبن أبي عبلة الحق

الصفحة 139