كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

بالرفع أي مقوله الحق قل من يرزقكم من السموات والأرض أمر أن يقول ذلك تبكيتا للمشركين بحملهم على الإقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وإن الرزاق هو الله عزوجل فإنهم لا ينكرونه وحيث كانوا يتلعثمون أحيانا في الجواب مخافة الإلزام قيل له عليه الصلاة و السلام قل الله إذ لا جواب سواه عندهم أيضا وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين 42 أي وإن أحد الفريقين منا معشر الموحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية العابدية وحده عزوجل ومنكم فرقة المشركين به العاجزين في أنفسهم عن دفع أدنى ضر وجلب أحقر نفع وفيهم النازل إلى اسفل المراتب الإمكانية المتصفون بأحد الأمرين من الإستقرار على الهدى والإنغماس في الضلال وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف قال لمن خوطب به : قد أنصفك صاحبك وفي درجه بعد تقدمة ما قدم من التقرير البليغ دلالة ظاهرة على من هو من الفريقين على هدى ومن هو في ضلال ولكن التعريض أبلغ من التصريح وأوصل بالمجادل إلى الغرض وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم وقل شوكته بالهوينا ونحوه قول الرجل لصاحبه قد علم الله تعالى الصادق مني ومنك وإن أحدنا لكاذب ومنه قول حسان يخاطب أبا سفيان بن حرب وكان قد هجا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قبل أن يسلم : أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء وقول أبي الأسود : يقول الأرذلون بنو قشير طوال الدهر لا تنسى عليا بنو عم النبي وأقربوه أحب الناس كلهم إليا فإن يك حبهم خيرا أصبه ولست بمخطيء إن كان غيا وذهب أبو عبيدة إلى أن أو بمعنى الواو كما في قوله : سيان كسر رغيفه أو كسر عظم من عظامه والكلام من باب اللف والنشر المرتب بأن يكون على هدى راجعا لقوله تعالى إنا و في ضلال راجعا لقوله سبحانه إياكم فإن العقل يحكم بذلك كما في قول أمريء القيس كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي ولا يخفى بعده وأياما كان فليس هذا من باب التقية في شيء كما يزعمه بعض الجهلة والظاهر أن لعلى هدى إلخ خبر إنا أو إياكم من غير تقدير حذف إذ المعنى إن أحدنا لمتصف بأحد الأمرين كقولك زيد أو عمرو في السوق أو في البيت وقيل : هو خبر إنا وخبر إياكم محذوف تقديره لعلى هدى أو في ضلال مبين وقيل : هو خبر إياكم وخبر إنا محذوف لدلالة ما ذكر عليه و إياكم على تقدير إن ولكنها لما حذفت أنفصل الضمير
وفي البحر لا حاجة إلى تقدير الحذف في مثل هذا وإنما يحتاج إليه في نحو زيد أو عمرو قائم فتدبر والمتبادر أن مبين صفة ضلال ويجوز أن يكون وصفا له ولهدى والوصف وكذا الضمير يلزم أفراده بعد المعطوف بأو وأدخل على على الهدى للدلالة على إستعلاء صاحبه وتمكنه وإطلاعه على ما يريد كالواقف على مكان عال أو الراكب على جواد يركضه حيث شاء و في على الضلال للدلالة على إنغماس صاحبه في ظلام حتى كأنه في مهواة مظلمة لا يدري

الصفحة 140