كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

فيما قبلها وقوله تعالى : إذ تأمروننا بدل من الليل والنهار أو تعليل للمكر وجعله في الإرشاد ظرفا له أي بل مكركم الدائم وقت أمركم لنا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا على أن مكرهم إما نفس أمرهم بما ذكر وأما أمور آخر مقارنة لأمرهم داعية إلى الإمتثال به من الترغيب والترهيب وغير ذلك
وجملة قال الذين أستضعفوا إلخ عطف على جملة يقول الذين أستضعفوا إلخ وإن تغايرتا مضيا وإستقبالا
ولما كان هذا القول رجوعا منهم إلى الكلام دون قول المستكبرين أنحن صددناكم فإنه إبتداء كلام وقع جوابا للإعتراض عليهم جيء بالعاطف ههنا ولم يجيء به هناك على ما أختاره بعضهم وقيل : إن النكتة في ذلك أنه لما حكى قول المستضعفين بعد قوله تعالى يرجع بعضهم إلى بعض القول كان مظنة إن يقال فماذا قال الذين أستكبروا للذين أستضعفوا وهل كان بين الفريقين تراجع فقيل : قال الذين أستكبروا كذا وقال الذين أستضعفوا كذا فأخرج مجموع القولين مخرج الجواب وعطف بعض الجواب على بعض فتدبر والأنداد جمع ند هو شائع فيمن يدعى أنه شريك مطلقا لكن ذكر الشيخ الأكبر قدس سره في تفسيره الجاري فيه على مسلك المفسرين إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن وبخطه الشريف النوراني رأيته انه مخصوص بمن يدعى الألوهية كفرعون وإضرابه لأنه بذلك ند عن الله تعالى وشرد عن رحمته سبحانه وقال الشيخ : لأنه شرد عن العبودية له جل شأنه وأسروا أي أضمر الظالمون من الفريقين المستكبرين والمستضعفين الندامة على ما كان منهم في الدنيا من الضلال والإضلال نظرا للمستكبرين ومن الضلال فقط نظرا للمستضعفين والقول بحصول ندامتهم على الإضلال أيضا بإعتبار قبوله تكلف ولم يظهروا ما يدل عليها من المحاورة وغيرها لما رأوا العذاب لأنهم بهتوا لما عاينوه فلم يقدروا على النطق وأشتغلوا عن إظهارها بشغل شاغل وقيل : أخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير وتعقب بأنه كيف يتأتى هذا مع قول المستضعفين لرؤساهم لولا أنتم لكنا مؤمنين وأي ندامة أشد من هذا وأيضا مخافة التعيير في ذلك المقام بعيدة وقيل : أسروا الندامة بمعنى أظهروها فإن أسر من الأضداد إذ الهمزة تصلح للإثبات وللسلب فمعنى أسره جعله سرا أو أزال سره ونظيره أشكيت وأنشد الزمخشري لنفسه : شكوت إلى الأيام سوء صنيعها ومن عجب باك فشكى إلى المبكي فما زادت الأيام إلا شكاية وما زالت الأيام نشكي ولا تشكي وتعقب إبن عطية هذا القول بأنه لم يثبت قط في لغة أن أسر من الأضداد وأنت تعلم أن المثبت مقدم على النافي فلا تغفل وجعلنا الأغلال أي القيود في أعناق الذين كفروا وهم المستكبرون والمستضعفون والأصل في أعناقهم إلا أنه أظهر في مقام الإضمار للتنويه بذمهم والتنبيه على موجب إغلالهم وأستظهر أبو حيان عموم الموصول فيدخل فيه الفريقان المذكوران وغيرهم لأن من الكفار من لا يكون له إتباع تراجعه القول في الآخرة ولا يكون هو تابعا لرئيس له كالغلام الذي قتله الخضر عليه السلام هل يجزون إلا ما كانوا يعملون 33 أي لا يجزون إلا مثل الذي كانوا يعملونه من الشر وحاصله لا يجزون إلا شرا وجزى قد يتعدى إلى مفعولين بنفسه كما يشير إليه قول الراغب يقال جزيته كذا وبكذا وجوز كون ما في محل النصب بنزع الخافض وهو إما الباء أو عن أو على فإنه ورد تعدية جزى بها جميعا وقيل : إن هذا التعدي لتضمينه معنى القضاء ومتى صح ما سمعت

الصفحة 146