كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

المبنية على الحكم البالغة فلو كان البسط دليل الإكرام والرضا لأختص به المطيع وكذا لو كان التضييق دليل الإهانة والسخط لأختص به العاصي وليس فليس والحاصل كما قيل منع كون ذلك دليلا على ما زعموا لإستواء المعادي والموالي فيه وقال جمع : أريد أنه تعالى يفعل ذلك حسب مشيئته المبنية على الحكم فلا ينقاس عليه أمر الثواب والعقاب اللذين مناطهما الطاعة وعدمها وقال ناصر الدين : لو كان ذلك لكرامة أو هوان يوجبانه لم يكن بمشيئته تعالى وهو مبني على أن الإيجاب ينافي الإختيار والمشيئة وقد قال به الخفاجي أخذا من كلام مولانا جلال الدين ورد به على من رد ولا يخفى أن دعوى المترفين الإيجاب على الله تعالى فيما هم فيه من بسط الرزق وكذا فيما فيه أعداؤهم من تضييقه غير ظاهرة حتى يرد عليهم بإثبات المشيئة التي لا تجامع الإيجاب وقرأ الأعمش ويقدر مشدد هنا وفيما بعد ولكن أكثر الناس لا يعلمون 63 ذلك فمنهم من يزعم أن مدار البسط الشرف والكرامة ومدار التضييق الهوان والحقارة ومنهم من تحير وأعترض على الله تعالى في البسط على أناس والتضييق على آخرين حتى قال قائلهم : كم عالم أعيت مذاهبه وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا هذا الذي ترك الأفهام حائرة وصير العالم النحرير زنديقا وعني هذا القائل بالعالم النحرير نفسه ولعمري أنه بوصف الجاهل البليد أحق منه بهذا الوصف فالعالم النحرير وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى كلام مستأنف من جهته عزوجل خوطب به الناس بطريق التلوين والألتفات مبالغة في تحقيق الحق وتقرير ما سبق كذا في إرشاد العقل السليم وجوز أن يكون ما تقدم لنفي أن يكون القرب والكرامة مدارا وعلة لكثرة الرزق وهذا النفي أن تكون كثرة الرزق سببا للقرب والكرامة ويكون الخطاب للكفرة والتي واقع على الأموال والأولاد وحيث أن الجمع المكسر عقلاؤه وغير عقلائه سواء في حكم التأنيث وكان المجموع بمعنى جماعة صح الأفراد والتأنيث أي وما جماعة أموالكم وأولادكم بالجماعة التي تقربكم عندنا قربة ولا حاجة إلى تقدير مضاف في النظم الكريم وما ذكر تقدير معنى لا أعراب وعن الزجاج أن في الكلام حذفا في أوله لدلالة ما في آخره والتقدير وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ولا أولادكم بالتي إلخ وأنت تعلم أنه لا حاجة إليه أيضا وجوز أن تكون التي صفة لموصوف مفرد مؤنث تقديره بالتقوى أو بالخصلة التي وجوز الزمخشري أن تكون التي كناية عن التقوى لأن المقرب إلى الله تعالى ليس إلا تلك أي وما أموالكم ولا أولادكم بتلك الموضوعة للتقريب وقرأ الحسن باللاتي جمعا وهو راجع للأموال والأولاد كالتي على ما سمعت أولا وقريء بالذي أي بالشيء الذي يقربكم
وزلفى مصدر كالقربى وإنتصابه على المصدرية من المعنى وقرأ الضحاك زلفا بفتح اللام وتنوين الفاء جمع زلفة وهي القربة إلا من آمن وعمل صالحا إستثناء من مفعول تقربكم على ما ذهب إليه جمع وهو إستثناء متصل إذا كان الخطاب عاما للمؤمنين والكفرة ومنقطع إذا كان خاصا بالكفرة فالموصول في محل نصب

الصفحة 148