كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

لله عزوجل وجوز أن يكون الضمير الأول للأنس فالأكثر على ظاهره أي غالبهم مصدقون أنهم آلهة وقيل مصدقون أنهم بنات الله وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا وقيل مصدقون أنهم ملائكة
فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا من جملة ما يقال للملائكة عليهم السلام عند جوابهم بالتبريء عما نسب إليهم المشركون يخاطبون بذلك على رؤوس الأشهاد إظهارا لعجزهم وقصورهم عن زاعمي عبادتهم وتنصيصا على ما يوجب خيبة رجائهم بالكلية وقيل للكفار وليس بذاك والفاء لترتيب الأخبار بما بعدها على جواب الملائكة عليهم السلام ونسبة عدم النفع والضر إلى البعض المبهم للمبالغة فيما هو المقصود الذي هو بيان عدم نفع الملائكة للعبدة بنظمه في سلك عدم نفع العبدة لهم كأن نفع الملائكة لعبدتهم في الإستحالة والإنتفاء كنفع العبدة لهم والتعرض لعدم الضر مع أنه لا بحث عنه لتعميم العجز أو لحمل عدم النفع على تقدير العبادة وعدم الضر على تقدير تركها وقيل لأن المراد دفع الضر على حذف المضاف وفيه بعد والمراد باليوم يوم القيامة وتقييد الحكم به مع ثبوته على الإطلاق لإنعقاد رجاء المشركين على تحقق النفع يومئذ
ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون 24 عطف على نقول للملائكة وقيل على لا يملك وتعقب بأنه مما يقال يوم القيامة خطابا للملائكة مترتبا على جوابهم المحكي وهذا حكاية لرسول الله لما سيقال للعبدة يوميذ إثر حكاية ما سيقال للملائكة عليهم السلام وأجيب بأن ذلك ليس بمانع فتدبر ووقع الموصول هنا وصفا للمضاف إليه وفي السجدة في قوله تعالى عذاب النار الذي كنتم به تكذبون صفة للمضاف فقال أبو حيان : لأنهم ثمت كانوا ملابسين للعذاب كما ينبيء عنه قوله تعالى : كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها فوصف لهم ثمت مالا بسوه وهنا لم يكونوا ملابسين له بل ذلك أول ما رأوا النار عقب الحشر فوصف ما عاينوه لهم وكون الموصول هنا نعتا للمضاف على أن تأنيثه مكتسب لتتحد الآيتان تكلف سمج
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات بيان لبعض آخر من كفرهم أي إذا تتلى عليهم بلسان الرسول آياتنا الناطقة بحقية التوحيد وبطلان الشرك قالوا ما هذا يعنون رسول الله التالي للآيات والإشارة للتحقير قاتلهم الله تعالى : إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم فيجعلكم من أتباعه من غير أن يكون له دين إلهي وإضافة الآباء إلى المخاطبين لا إلى أنفسهم لتحريك عرق العصبية منهم مبالغة في تقريرهم على الشرك وتنفيرهم عن التوحيد وقالوا ما هذا يعنون القرآن المتلو والإشارة كالإشارة السابقة إلا أفك أي كلام مصروف عن وجهه لا مصداق له في الواقع مفترى بإسناده إلى الله عزوجل
وقال الذين كفروا للحق أي لأمر النبوة التي معها من خوارق العادة ما معها أو للإسلام المفرق بين المرء وزوجه وولده أو القرآن الذي تتأثر به النفوس على أن العطف لإختلاف العنوان بأن يراد بالأول معناه وبالثاني نظمه المعجز لما جاءهم من غير تدبر ولا تأمل فيه إن هذا إلا سحر مبين 34 ظاهر سحريته
وفي ذكر قال ثانيا والتصريح بذكر الكفرة وما في اللامين من الإشارة إلى القائلين والمقول فيه وما في لما من المسارعة إلى البت بهذا القول الباطل إنكار عظيم له وتعجب بليغ منه وجوز أن تكون كل جملة صدرت

الصفحة 152