كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

مجاز عن إشاعته فيكون الكلام وعدا بإظهار الإسلام وإفشائه وفيه من الإستعارة ما فيه علام الغيوب 84 خبر ثان أو خبر مبتدأ محذوف أي هو سبحانه علام الغيوب أو صفة محمولة على محل إن مع أسمها كما جوزه الكثير من النحاة وأن منعه سيبويه أو بدل من ضمير يقذف ولا يلزم خلو جملة الخبر من العائد لأن المبدل منه ليس في نية الطرح من كل الوجه وقال الكسائي : هو نعت لذلك الضمير ومذهبه جوأر نعت المضمر الغائب
وقرأ عيسى وزيد بن علي وإبن أبي إسحاق وإبن أبي عبلة وأبو حيوة وحرب عن طلحة علام بالنصب فقال الزمخشري : صفة لربى وقال أبو الفضل الرازي وإبن عطية : بدل وقال الحوفي : بدل أو صفة وقيل نصب على المدح وقرأ إبن ذكوان وأبو بكر وحمزة والكسائي الغيوب بالكسر كالبيوت والباقون بالضم كالعشور وهو فيهما جمع وقريء بالفتح كصبور على أنه مفرد للمبالغة قل جاء الحق أي الإسلام والتوحيد أو القرآن وقيل السيف لأن ظهور الحق به وهو كما ترى وما يبديء الباطل أي الكفر والشرك وما يعيد 94 اي ذهب وأضمحل بحيث لم يبق له أثر مأخوذ من هلاك الحي فإنه إذا هلك لم يبق له إبداء أي فعل أمر إبتداء ولا إعادة أي فعله ثانيا كما يقال لا يأكل ولا يشرب أي ميت فالكلام كناية عما ذكر أو مجاز متفرع على الكناية وأنشدوا لعبيد بن الأبرص أقفر من أهله عبيد
فاليوم لا يبدي ولا يعيد وقال جماعة : الباطل إبليس وإطلاقه عليه لأنه مبدؤه ومنشؤه ولا كناية في الكلام عليه والمعنى لا ينشيء خلقا ولا يعيد أو لا يبديء خيرا لأهله ولا يعيد أي لا ينفعهم في الدنيا والآخرة وقيل هو الصنم والمعنى ما سمعت وعن أبي سليمان أن المعنى إن الصنم لا يبتدي من عنده كلاما فيجاب ولا يرد ما جاء من الحق بحجة
و ما على جميع ذلك نافية وقيل : هي على ما عدا القول الأول للإستفهام الإنكاري منتصبة بما بعدها أي أي شيء يبدي الباطل وأي شيء يعيد ومآله النفي والكلام جوز أن يكون تكميلا لما تقدم وأن يكون من باب العكس والطرد وأن يكون تذييلا مقررا لذلك فتأمل قل إن ضللت عن الحق فإنما أضل على نفسي أي عائدا ضرر ذلك ووباله عليها فإنها الكاسبة للشرور والأمارة بالسوء وإن أهتديت إلى الحق فبما يوحى إلى ربي فإن الأهتداء بهدايته تعالى وتوفيقه عزوجل وما موصولة أو مصدرية وكان الظاهر وأن أهتديت فلها كقوله تعالى من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها أو إن ضللت فإنما أضل بنفسي ليظهر التقابل لكنه عدل عن ذلك إكتفاء بالتقابل بحسب المعنى لأن الكلام عليه أجمع فإن كل ضرر فهو من النفس وبسببها وعليها وباله وقد دل لفظ على في القرينة الأولى على معنى اللام في الثانية والباء في الثانية على معنى السببية في الأولى فكأنه قيل : قل إن ضللت فإنما أضل بسبب نفسي على نفسي وإن أهتديت فإنما أهتدي لنفسي بهداية الله تعالى وتوفيقه سبحانه وعبر عن هذا بما يوحى إلى ربي لأنه لازمه وجعل على التعليل وإن ظهر عليه التقابل إرتكاب لخلاف الظاهر من غير نكتة
وجوز أن يكون معنى القرينة الأولى قل إن ضللت فإنما أضل على لا على غيري ولا يظهر عليه أمر التقابل مطلقا والحكم على ما قال الزمخشري عام وإنما أمر أن يسنده إلى نفسه لأن الرسول إذا دخل

الصفحة 156