كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

إنهم كانوا في شك مريب 45 أي موقع في ريبة على أنه من أرابه أوقعه في ريبة وتهمة أو ذي ريبة من أراب الرجل صار ذا ريبة فأما أن يكون قد شبه الشك بإنسان يصح أن يكون مريبا على وجه الإستعارة المكنية التخييلية أو يكون الإسناد مجازيا أسند فيه ما لصاحب الشك للشك مبالغة كما يقال شعر شاعر وكأنه من هنا قال إبن عطية : الشك المريب أقوى ما يكون من الشك وضمير الجمع للأشباع وقيل : لأولئك المحدث عنهم والله تعالى أعلم ومن باب الإشارة في بعض آيات السورة ما قيل ولقد آتينا داؤد منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير أشير بالجبال إلى عالم الملك وبالطير إلى عالم الملكوت وقد ذكروا أنه إذا تمكن الذكر سري في جميع أجزاء البدن فيسمع الذاكر كل جزء منه ذاكرا فإذا ترقى حاله يسمع كل ما في عالم الملك كذلك فإذا ترقى يسمع كل ما في الوجود كذلك وإن من شيء إلا يسبح بحمده وألنا له الحديد القلب أن أعمل سابغات وهي الحكم البالغة التي تظهر من القلب على اللسان وقدر في السرد أي في سرد الحديث بأن تتكلم بالحكمة على قدر ما يتحمله عقل مخاطبك وقد ورد كلموا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله تعالى ورسوله
ومن هنا يصعب الجواب عمن تكلم من المتصوفة بما ينكره أكثر من يسمعه من العلماء وبه ضل كثير من الناس ولسليمان الريح ريح العناية غدوها شهر ورواحها شهر فكان يتصرف بالهمة وقذف الأنوار في قلوب متبعيه من مسافة شهر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه إشارة إلى قوة باطنه حيث إنقاد له من جبل على المخالفة وفعل الشرور وقليل من عبادي الشكور وهو من شكره بالأحوال أعني التخلق بأخلاق الله تعالى فلما قضينا عليه الموت مادلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فيه إشارة إلى أن الضعيف قد يفيد القوي علما وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها وهي مقامات أهل الباطن من العارفين قرى ظاهرة وهي مقامات أهل الظاهر من الناسكين سيروا فيها ليالي في ليالي البشرية وأياما في أيام الروحانية آمني في خفارة الشريعة
وقال بعض الفرقة الجديدة الكشفية : القرى المبارك فيها الأئمة رضي الله تعالى عنهم والقرى الظاهرة الدعاة إليهم والسفراء بينهم وبين شيعتهم وظلموا أنفسهم بميلهم إلى الدنيا وترك السير لسوء إستعدادهم حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم فيه إشارة إلى أن الهيبة تمنع الفهم وما أرسلناك أي ما أخرجناك من العدم إلى الوجود إلا كافة للناس الأولين والآخرين بشيرا ونذيرا وهذا حاله عليه الصلاة و السلام في عالم الأرواح وفي عالم الأجساد ولكن أكثر الناس لا يعلمون إذ لا نور لهم يهتدون به وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم هؤلاء قطاع الطريق على عباد الله تعالى ومثلهم المنكرون على أولياء الله تعالى الذين ينفرون الناس عن الإعتقاد بهم وإتباعهم قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي إن النفس لأمارة بالسوء وإن أهتديت فبما يوحى إلي ربي من القرآن وفيه إشارة إلى أنه نور لا يبقى معه ديجور أو مراتب الإهتداء به متفاوتة حسب تفاوت الفهم الناشيء من تفاوت صفاء الباطن وطهارته وقد ورد أن للقرآن ظاهرا وباطنا ولا يكاد يصل الشخص إلى باطنه إلا بتطهير باطنه كما يرمز سليه قوله تعالى لا يمسه إلا المطهرون نسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم ظاهرة وباطنه إلى ما شاء من البطون فإنه جل وعلا القادر الذي يقول للشيء كن فيكون

الصفحة 160