كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

سورة فاطر
وتسمى سورة الملائكة وهي مكية كما روى عن إبن عباس وقتادة وغيرهما وفي مجمع البيان قال الحسن : مكية إلا آيتين إن الذين يتلون كتاب الله الآية ثم أورثنا الكتاب الآية وآيها ست وأربعون في المدني الأخير والشامي وخمس وأربعون في الباقين والمناسبة على ما في البحر أنه عزوجل لما ذكر في آخر السورة المتقدمة هلاك المشركين أعداء المؤمنين وإنزالهم منازل العذاب تعين على المؤمنين حمده تعالى وشكره كما في قوله تعالى فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين وينضم إلى ذلك تواخي السورتين في الإفتتاح بالحمد وتقاربهما في المقدار وغير ذلك
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله فاطر السموات والأرض أي موجدهما من غير مثال يحتذيه ولا قانون ينتحيه فالفطر الإبداع وقال الراغب : هو إيجاده تعالى الشيء وإبداعه على هيئة مترشحة لفعل من الأفعال
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهما عن إبن عباس قال : كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها يعني إبتدأتها وأصل الفطر الشق وقال الراغب : الشق طولا ثم تجوز فيه عما تقدم وشاع فيه حتى صار حقيقة أيضا ووجه المناسبة أن السموات والأرض والمراد بهما العالم بأسره لكونهما ممكنين والأصل في الممكن العدم كما يشير إليه قوله تعالى : كل شيء هالك إلا وجهه وقوله عليه الصلاة و السلام ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وصرح بذلك فلاسفة الإسلام قال رئيسهم : الممكن في نفسه ليس وهو عن علته ليس كان العدم كامن فيهما وبإيجادهما يشقان ويخرج العدم منهما
وقيل في ذلك : كأنه تعالى شق العدم بإخراجهما منه وقيل : لا مانع من حمله على أصله هنا ويكون إشارة إلى الأمطار والنبات فكأنه قيل : الحمد لله فاطر السموات بالأمطار وفاطر الأرض بالنبات وفيه نظر ستأتي الإشارة إليه قريبا وقوله تعالى : جاعل الملائكة رسلا على القولين يحتمل أن يكون معناه جاعل الملائكة عليهم السلام وسائط بينه وبين أنبيائه والصالحين من عباده يبلغون إليهم رسالته سبحانه بالوحي والإلهام والرؤيا الصادقة أو جاعلهم وسائط بينه وبين خلقه عزوجل يوصلون إليهم آثار قدرته وصنعه كالأمطار والرياح وغيرهما وهم الملائكة الموكلون بأمور العالم وهذا أنسب بالقول الثاني لكن يرد عليه أنه لا معنى لكون الأمطار شاقة للسموات وقال الإمام : إن الحمد يكون على النعم ونعمه تعالى عاجلة وآجلة وهو في سورة سبأ إشارة إلى نعمة الإيجاد والحشر ودليله يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وقوله تعالى : وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة والحمد في هذه السورة إشارة إلى نعمة البقاء في الآخرة ودليله جاعل الملائكة رسلا أي يجعلهم سبحانه رسلا يتلقون عباد الله تعالى كما قال سبحانه تتلقاهم الملائكة فيجوز أن يكون المعنى الحمد لله شاق السموات والأرض يوم القيامة لنزول الأرواح من السماء وخروج الأجساد من الأرض وجاعل الملائكة رسلا في ذلك اليوم يتلقون عباده وعليه فأول هذه السورة متصل بآخر ما مضى لأن قوله تعالى كما فعل بأشياعهم بيان لإنقطاع رجاء من كان في شك مريب ولما ذكر سبحانه حالهم ذكر حال المؤمنين وبشرهم بإرسال الملائكة إليهم وأنه تعالى يفتح أبواب الرحمة لهم إنتهى وفيه من البعد ما فيه و فاطر صفة لله وإضافته

الصفحة 161