كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

محضة قال أبو البقاء : لأنه للماضي لا غير وقال غيره : هو معرف بالإضافة إذ لم يجر على الفعل بل أريد به الإستمرار والثبات كما يقال زيد مالك العبيد جاء أي زيد الذي من شأنه أن يملك العبيد جاء ومن جعل الإضافة غير محضة جعله بدلا وهو قليل في المشتقات وكذا الكلام في جاعل ورسلا على القول بأن إضافته غير محضة منضوب به بالإتفاق وأما على القول الآخر فكذلك عند الكسائي وذهب أبو علي إلى أنه منصوب بمضمر يدل هو عليه لأن أسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل عنده كسائر البصريين إلا معرفا باللام وقال أبو سعيد السيرافي : أسم الفاعل المتعدي إلى إثنين يعمل بالثاني لأنه بإضافته إلى الأول تعذرت إضافته إلى الثاني فتعين نصبه له
وعلل بعضهم ذلك بأنه بالإضافة أشبه المعرف بللام فعمل عمله هذا على تقدير كون الجعل تصييريا أما على تقدير كونه إبداعيا فرسلا حال مقدرة وقرأ الضحاك والزهري فطر جعل فعلا ماضيا ونصب ما بعده قال أبو الفضل الرازي : يحتمل أن يكون ذلك على إضمار الذي نعتا لله تعالى أو على تقدير قد فتكون الجملة حالا
وأنت تعلم أن حذف الموصول الأسمي لا يجوز عند جمهور البصريين وذهب الكوفيون والأخفش إلى إجازته وتبعهم إبن مالك وشرط في بعض كتبه كونه معطوفا على موصول آخر ومن حجتهم آمنوا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وقول حسان : أمن يهجو رسول الله منكم وينصره ويمدحه سواء وقول آخر : ما الذي دأبه إحتياط وحزم وهواه أطاع يستويان وأختار أبو حيان كون الجملة خبر مبتدأ محذوف أي هو فطر وقرأ الحسن جاعل بالرفع على المدح وجر الملائكة وقرأ عبدالوارث عن أبي عمرو جاعل بالرفع بلا تنوين ونصب الملائكة وخرج حذف التنوين على أنه لإلتقاء الساكنين ونصب الملائكة إذا كان جاعل للمضي على مذهب الكسائي وهشام في جواز أعمال الوصف الماضي النصب وقرأ إبن يعمر وخليد جعل فعلا ماضيا الملائكة بالنصب وذلك بعد قراءته فاطر كالجمهور كقراءة من قرأ فالق الأصباح وجعل الليل سكنا وفي الكشاف قريء فطر وجعل كلاهما بلفظ الفعل الماضي
وقرأ الحسن : وحميد بن قيس رسلا بسكون السين وهي لغة تميم وقوله تعالى أولي أجنحة صفة لرسلا وأولو أسم جمع لذو كما إن أولاه أسم جمع لذا ونظير ذلك من الأسماء المتمكنة المخاض قال الجوهري : هي الحوامل من النوق واحدتها خلفة و أجنحة جمع جناح صيغة جمع القلة ومقتضى المقام أن المراد به الكثرة
وفي البحر قياس جمع الكثرة فيه جنح فإن كان لم يسمع كان أجنحة مستعملا في القليل والكثير والظاهر أن الجناح بالمعنى المعروف عند العرب بيد أنا لا نعرف حقيقته وكيفيته ولا نقول إنه من ريش كريش الطائر
نعم أخرج إبن المنذر عن إبن جريج أن أجنحة الملائكة عليهم السلام زغبة ورأيت في بعض كتب الإمامية أن الملائكة تزدحم في مجالس الأئمة فيقع من ريشها ما يقع وأنهم يلتقطونه ويجعلون منه ثيابا لأولادهم
وهذا عندي حديث خرافة والكشفية منهم يؤولونه بما لا يخرجه عن ذلك وقوله تعالى : مثنى وثلاث ورباع الظاهر أنه صفة لأجنحة والمنع من الصرف على المشهور للصفة والعدل عن

الصفحة 162