كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

ولقياس الغائب على الشاهد قال بعضهم : إن المعنى إن في كل جانب لبعض الملائكة عليهم السلام جناحين ولبعضهم ثلاثة ولبعضهم أربعة وإلا فلو كانت ثلاثة لواحد لما أعتدلت ومو كما ترى
وقال قوم : إن الجناح إشارة إلى الجهة وبيانه أن الله تعالى ليس فوقه شيء وكل شيء سواه فهو تحت قدرته سبحانه والملائكة عليهم السلام لهم وجه إلى الله تعالى يأخذون منه نعمه ويعطون من دونهم مما أخذوه بإذنه سبحانه كما قال تعالى نزل به الروح الأمين على قلبك وقال تعالى علمه شديد القوى وقال تعالى فالمدبرات أمرا وهما جناحان وفيهم من يفعل ما يفعل من الخير بواسطة وفيهم من يفعله لا بواسطة فالفاعل بواسطة منهم من له ثلاث جهات ومنهم من له أربع جهات وأكثر وهذا خلاف الظاهر جدا ولا يحتاج إليه السني القائل بأن الملائكة عليهم السلام أجسام لطيفة نورية يقدرون على التشكل بالصور المختلفة وعلى الأفعال الشاقة وإنما يحتاج إليه أو إلى نحوه الفلاسفة وأتباعهم فإن الملائكة عندهم هي العقول المجردة ويسميها أهل الأشراق بالأنوار الظاهرة وبعض المتصوفة بالسرادقات النورية وقد ذكر بعض متأخريهم أن لها ذوات حقيقية وذوات إضافية مضافة إلى ما دونها إضافة النفس إلى البدن فأما ذواتها الحقيقية فإنما هي أمرية قضائية قولية وأما ذواتها الإضافية فإنما هي خلفية قدرية تنشأ منها الملائكة اللوحية وأعظمهم إسرافيل عليه السلام وتطلق الملائكة عندهم على غير العقول كالمدبرات العلوية والسفلية من النفوس والطبائع وأطالوا الكلام في ذلك وظواهر الآيات والأخبار تكذبهم والله تعالى الموفق للصواب
يزيد في الخلق ما يشاء إستئناف مقرر لما قبله من تفاوت الملائكة عليهم السلام في عدد الأجنحة ومؤذن بأن ذلك من أحكام مشيئته تعالى لا لأمر راجع إلى ذواتهم ببيان حكم كلي ناطق بأنه عزوجل يزيد في أي خلق كان كل ما يشاء أن يزيده بموجب مشيئته سبحانه ومقتضى حكمته من الأمور التي لا يحيط بها الوصف وقال الفراء والزجاج : هذا في الأجنحة التي للملائكة أي يزيد في خلق الأجنحة للملائكة ما يشاء فيجعل لكل ستة أجنحة أو أكثر وروى ذلك عن الحسن وكأن الجملة لدفع توهم عدم الزيادة على الأربعة
وعن إبن عباس يزيد في خلق الملائكة والأجنحة ما يشاء وقيل الخلق خلق الإنسان و ما يشاء الخلق الحسن أو الصوت الحسن أو الحظ الحسن أو الملاحة في العينين أ في الأنف أو في الوجه أو خفة الروح أو جعودة الشعر وحسنه أو العقل أو العلم أو الصنعة أو العفة في الفقراء أو حلاوة النطق وذكروا في بعض ذلك أخبارا مرفوعة والحق أن ذلك من باب التمثيل لا الحصر والآية شاملة لجميع ذلك بل شاملة لما يستحسن ظاهرا ولما لا يستحسن وكل شيء من الله عزوجل حسن
إن الله على كل شيء قدير 1 تعليل بطريق التحقيق للحكم المذكور فإن شمول قدرته لجميع الأشياء مما يوجب قدرته سبحانه على أن يزيد في كل خلق ما يشاؤه تعالى إيجابا بينا ما يفتح الله للناس من رحمة أي ما يطلقها ويرسلها فالفتح مجاز عن الإرسال بعلاقة السببية فإن فتح المغلق سبب لإطلاق ما فيه وإرساله ولذا قوبل بالإمساك والإطلاق كناية عن الإعطاء كما قيل أطلق السلطان للجند أرزاقهم فهو كناية متفرعة على المجاز
وفي إختيار لفظ الفتح رمز إلى أن الرحمة من أنفس الخزائن وأعزها منالا وتنكيرها للإشاعة والإبهام أي أي شيء يفتح الله تعالى من خزائن رحمته أي رحمة كانت من نعمة وصحة وأمن وعلم وحكمة إلى غير ذلك مما

الصفحة 164