كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

لا يحاط به حتى أن عروة كان يقول كما أخرج إبن المنذر عن محمد بن جعفر بن الزبير عنه في ركوب المحمل هي والله رحمة فتحت للناس ثم يقول ما يفتح الله للناس من رحمة إلخ
وأخرج إبن أبي حاتم عن السدي الرحمة المطر وعن إبن عباس التوبة والمراد التمثيل والجار والمجرور في موضع الحال لا في موضع الصفة لأن أسم الشرط لا يوصف فلا ممسك لها أي فلا أحد يقدر على إمساكها وما يمسك أي أي شيء يمسك فلا مرسل له أي فلا أحد يقدر على إرساله وإختلاف الضميرين لما أن مرجع الأول مبين بالرحمة ومرجع الثاني مطلق يتناولها وغيرها وفي ذلك مع تقديم أمر فتح الرحمة إشعار بأن رحمته تعالى سبقت غضبه عزوجل كما ورد في الحديث الصحيح وقيل المراد وما يمسك من رحمة إلا أنه حذف المبين لدلالة ما قبل عليه والتذكير بإعتبار اللفظ وعدم ما يقوى إعتبار المعنى في التلفظ
وأيد بأنه قريء فلا مرسل لها بتأنيث الضمير من بعده أي من بعد إمساكه وهو العزيز الغالب على كل ما يشاء من الأمور التي من جملتها الفتح والإمساك الحكيم 2 الذي يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة والجملة تذييل مقرر لما قبلها ومعرب عن كون كل من الفتح والإمساك بموجب الحكمة التي يدور عليها أمر التكوين وما أدعى هذه الآية إلى الإنقطاع إلى الله تعالى والإعراض عما سواه عزوجل وإراحة البال عن التخيلات الموجبة للتهويش وسهر الليال
وقد أخرج إبن المنذر عن عامر بن عبد قيس : قال أزبع آيات من كتاب الله تعالى إذا قرأتهن فما أبالي ما أصبح عليه وأمسى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وأن يردك بخير فلا راد لفضله وسيجعل الله بعد عسر يسرا وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وبعد ما بين سبحانه أنه الموجد للملك والملكوت والمتصرف فيهما على الإطلاق أمر الناس قاطبة أو أهل مكة كما روى عن إبن عباس وأختاره الطيبي بشكر نعمه عزوجل فقال تعالى : ياأيها الناس أذكروا نعمت الله عليكم أي أنعامه تبارك وتعالى عليكم إن جعلت النعمة مصدرا أو كائنة عليكم أن جعلت أسما أي راعوها وأحفظوها بمعرفة حقها والإعتراف بها وتخصيص العبادة والطاعة بموليها فليس المراد مجرد الذكر باللسان بل هو كناية عما ذكر وعن إبن عباس وقد جعل الخطاب لمن سمعت أذكروا نعمة الله عليكم حيث أسكنكم حرمه ومنعكم من جميع العالم والناس يتخطفون من حولكم وعنه أيضا نعمة الله تعالى العافية والأولى عدم التخصيص ولما كانت نعم الله تعالى مع تشعب فنونها منحصرة في نعمة الإيجاد ونعمة الإبقاء نفى سبحانه أن يكون في الوجود شيء غيره سبحانه يصدر عنه إحدى النعمتين بطريق الإستفهام الذي هو لإنكار التصديق وتكذيب الحكم فقال عزوجل هل من خالق غير الله وهل تأتي لذلك كما في المطول وحواشيه وقول الرضى : إن هل لا تستعمل للإنكار أراد به الإنكار على مدعي الوقوع كما في قوله تعالى أفأصفاكم ربكم بالبنين ويلزمه النفي ولإنكار على من أوقع الشيء كما في قولك أتضرب زيدا وهو أخوك أي هل خالق مغاير له تعالى موجود لكم أو للعالم على أن خالق مبتدأ محذوف الخبر زيدت عليه من لتأكيد العموم و غير الله صفة له بإعتبار محله وصحت الوصفية به مع إضافته إلى أعرف المعارف لتوغله في التنكير فلا يكتسب تعريفا في

الصفحة 165