كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

عهودا بالحمى وتحن إلى الألف المألوف وتطلب معانقته ولم ترض بإفتراق الأسم بينهما ويعلم من هذا أنه لا فرق عند النحاة بين هل رجل عرف وهل زيد عرف في القبح لذلك وأجاب بعضلهخم بأن مجوز هذا الوجه الزمخشري ومتابعوه وهو لا يسلم ما ذكر لأن حرف الشرط كان مثلا ألزم للفعل من هل لأنه لا يجوز دخوله على الجملة الأسمية التي طرفاها أسمان كما دخلت عليها هل وقد جاز بلا قبح عمل الفعل بعده على شريطة التفسير كقوله تعالى وإن أحد من المشركين أستجارك فيجوز في هل بالطريق الأولى وقيل : يجوز أن يكون يرزقكم إلخ مستأنفا في جواب سؤال مقدر تقديره أي خالق يسأل عنه وأن يكون هو الخبر لخالق ولا يخفى على متأمل أن ما نقل عن الكشف قاض بمرجوحية هذه الأوجه جميعها فتأمل وفي الآية على ما هو الأولى في تفسيرها وإعرابها رد على المعتزلة في قولهم : العبد خالق لأفعاله ونصرة لأهل السنة في قولهم لا خالق إلا الله تعالى لا إله إلا هو إستئناف مقرر للنفي المفهوم مما تقدم قصدا ولم يجوز جار الله أن يجعل صفة لخالق كما جعل يزقكم صفة له حيث قال : ولو وصلت جملة لا إله إلا هو كما وصلت يرزقكم لم يساعد عليه المعنى لأن قولك هل من خالق آخر سوى الله لا إله إلا ذلك الخالق غير مستقيم لأن قولك هل من خالق سوى الله إثبات لله تعالى فلو ذهبت تقول ذلك كنت مناقضا بالنفي بعد الإثبات وبين صاحب الكشف وجه المناقضة على تقدير أن يكون غير الله صفة بأن الكلام مسوق لنفي المشاركة في الصفة المحققة أعني الخلق فقولك هل من خالق آخر سوى الله إثبات لله تعالى ونفي المشارك له فيها ثم وصف الآخر بإنحصار الألهية فيه يكون لنفي خالقيته دون تفرد بالإلهية والتفرد بالإلهية مع مغايرته لله تعالى متناقضان لأن الأول ينفيه تعالى عن ذلك علوا كبيرا والثاني يثبته مع الغير جل عن كل شريك ونقص ثم قال : والتحقيق في هذا أن هل لإنكار ما يليها وما تلاه إن كان من تتمته ينسحب عليه حكم الإنكار بالبقية وإلا كان مبقي على حاله نفيا وإثباتا ولما كان الكلام في الخالقية على ما مر لم يكن الوصفان أعني تفرد الآخر بالإلهية ومغايرته للقيوم الحق مصبا له وهما متناقضان في أنفسهما على ما بين فيلزم ما ذكره جار الله لزوما بينا وقد دفع بتقريره ذلك كثيرا من القال والقيل بيد أنه لا يخلو عن بحث ويمكن تقرير المناقضة على تقدير الوصفية بوجه أظهر لعله لا يخفى على المتأمل ويجوز أن يكون المانع من الوصفية النظم المعجز وحاكمه الذوق السليم والكلام في ذلك طويل فتأمل والفاء في قوله تعالى فأنى تؤفكون 3 لترتيب إنكار عدولهم عن التوحيد إلى الإشراك على ما قبلها كأنه قيل : وإذا تبين تفرده تعالى بالألوهية والخالقية والرازقية فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك وقوله تعالى وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك إلخ تسلية له عليه الصلاة و السلام بعموم البلية والوعد له والوعيد لأعدائه والمعنى وإن أستمروا على أن يكذبوك فيما بلغت إليهم من الحق المبين بعد ما أقمت عليهم الحجة وألقمتهم الحجر فتأس بأولئك الرسل في الصبر فقد كذبهم قومهم وصبروا فجملة قد كذبت رسل من قبلك قائمة مقام جواب الشرط والجواب في الحقيقة تأس وأقيمت تلك الجملة مقامه إكتفاء بذكر السبب عن ذكر المسبب وجوز أن تجعل هي الجواب من غير تقدير ويكون المترتب على الشرط الإعلام والأخبار كما في قوله تعالى وما بكم من نعمة فمن الله وتنكير رسل للتعظيم والتكثير الموجبين لمزيد التسلية والحث على التأسي والصبر على ما أصابه عليه الصلاة و السلام من

الصفحة 167