كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

قومه أي رسل أولو شأن خطير وعدد كثير وإلى الله ترجع الأمور 4 لا إلى غيره عزوجل فيجازي سبحانه كلا منك ومنهم بما يليق به وفي الإقتصار على ذكر إختصاص المرجع به تعالى مع إبهام الجزاء ثوابا وعقابا من المبالغة في الوعد والوعيد ما لا يخفى وقريء ترجع بفتح التاء من الرجوع والأول أدخل في التهويل
ياأيها الناس إن وعد الله المشار إليه بقوله سبحانه وإلى الله ترجع الأمور من البعث والجزاء حق ثابت لا محالة من غير خلف فلا تغرنكم الحياة الدنيا بأن يذهلكم التمتع بمتاعها ويلهيكم التلهي بزخارفها عن تدارك ما ينفعكم يوم حلول الميعاد والمراد نهبهم عن الإغترار بها وإن توجه النهي صورة إليها نظير قوله تعالى لا يجرمنكم شقاقي وقولك لا أرينك هنا ولا يغرنكم بالله حيث أنه جل شأنه عفو كريم رؤف رحيم الغرور 5 أي المبالغ في الغرور وهو على ما روى عن إبن عباس والحسن ومجاهد الشيطان فالتعريف للعهد ويجوز التعميم أي لا يغرنكم كل من شأنه المبالغة في الغرور بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية قائلا إن الله يغفر الذنوب جميعا فإن ذلك وإن أمكن لكن تعاطي الذنوب بهذا التوقع من قبيل تناول السم تعويلا على دفع الطبيعة وتكرير فعل النهي للمبالغة فيه ولإختلاف الغرورين في الكيفية
وقرأ أبو حيوه وأبو السمال الغرور بالضم على أنه مصدر غره يغره وإن قل في المتعدي أو جمع غار كقعود وسجود مصدرين وجمعين وعلى المصدرية الإسناد مجازي إن الشيطان لكم عدو عداوة عامة قديمة لا تكاد تزول ويشعر بذلك الجملة الأسمية و لكم وتقديمه للإهتمام فأتخذه عدوا بمخالفتكم إياه في عقائدكم وأفعالكم وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير 6 تقرير لعداوته وتحذير من طاعته بالتنبيه على أن غرضه في دعوة شيعته إلى إتباع الهوى والركون إلى ملاذ الدنيا ليس إلا توريطهم والقاءهم في العذاب المخلد من حيث لا يشعرون فاللام ليست للعاقبة وزعم إبن عطية أنها لها
الذين كفروا لهم عذاب شديد بسبب كفرهم وإجابتهم لدعوة الشيطان وإتباعهم لخطواته ولعل تنكير عذاب لتعظيمه بحسب المدة فكأنه قيل : لهم عذاب دائم شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة عظيمة وأجر كبير 7 لا غاية بسبب ما ذكر من الإيمان والعمل الصالح و الذين كفروا مبتدأ خبره لهم عذاب وكذا الذين آمنوا ولهم مغفرة إلخ وجوز بعضهم كون الذين كفروا في موضع خفض بدلا من أصحاب السعير أو صفة له أو في موضع نصب بدلا من حزبه أو صفة له أو في موضع رفع بدلا من ضمير ليكونوا والكل مفوت لجزالة التركيب كما لا يخفى على الأريب أفمن زين له سوء عمله أي حسن له عمله السيء فرآه فأعتقده بسبب التزيين حسنا فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف و من موصولة في موضع رفع على الإبتداء والجملة بعدها صلتها والخبر محذوف والفاء للتفريع والهمزة للإنكار فإن كانت مقدمة من تأخير كما هو رأي سيبويه والجمهور في نظير ذلك فالمراد تفريع إنكار على ما قبلها من الحكمين السابقين أي إذا كانت عاقبة كل من الفريقين ما ذكر فليس الذي زين له الكفر من جهة عدوه الشيطان فأعتقده

الصفحة 168