كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

حسنا وأنهمك فيه كمن أستقبحه وأجتنبه وأختار الإيمان والعمل الصالح وإن كانت في محلها الأصلي وكان العطف على مقدر تكون هي داخلة إليه كما ذهب إليه جمع فالمراد ما في حيزها ويكون التقدير أهما أي الذين كفروا والذين آمنوا وعملوا الصالحات متساويان فالذي زين له الكفر من جهة عدوه الشيطان فأعتقده حسنا وأنهمك فيه كمن أستقبحه وأجتنبه وأختار الإيمان والعمل الصالح أي ماهما متساويان ليكون الذي زين له الكفر كمن أستقبحه وحذف هذا الخبر لدلالة الكلام عليه وإقتضاء النظم الجليل إياه وقد صرح بالجزأين في نظير الآية الكريمة من قوله تعالى : أمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله وقوله سبحانه : أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى وقوله عزوجل : أو من كان ميتا فأحييناه وجعلناه له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات وفي التعبير عن الكافر بمن زين له سوء عمله فرآه حسنا إشارة إلى غاية ضلاله حتى كأنه غلب على عقله وسلب تمييزه فشأن المغلوب على عقله ذلك كما يشير إليه قول أبي نواس : أسقني حتى تراني حسنا عندي القبيح وظاهر كلام الزجاج أن من شرطية حيث قال : الجواب على ضربين أحدهما ما يدل عليه قوله تعالى : فلا تذهب نفسك إلخ ويكون المعنى أفمن زين له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليهم حسرة وثانيهما ما يدل عليه قوله تعالى : فإن الله إلخ ويكون المعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله تعالى وإلى ذلك ذهب إبن مالك أيضا وأعترض إبن هشام على التقدير الثاني بأن الظرف لا يكون جوابا وإن قلنا إنه جملة ووجهه أن الرضى صرح بأنه لا يكون مستقرا في غير الخبر والصفة والصلة والحال ولم يذكر الجواب لا أن ذلك لعدم الفاء وتقديرها داخلة على مبتدأ يكون الظرف خبره والجملة بتمامها جزاء غير جائز لما فيه من التكلف كما قيل
وزعم بعضهم أنه يجوز أن يكون الزجاج قد ذهب إلى أن من موصولة وأطلق على خبرها الجواب لشبهه به في المعنى ألا تراهم يدخلون الفاء في خبر الموصول الذي صلته جملة فعلية كما يدخلونها في جواب الشرط فيقولون الذي يأتيني فله درهم وفيه أنه خلاف الظاهر ولا قرينة على إرادته سوى عدم صحة الجزائية وضعف التقدير الأول بالفصل بين ما فيه الحذف ودليل المحذوف مع خفاء ربط الجملة بما قبلها عليه ولا ينبغي أن تكون من شرطية جوابها فرآه لما في ذلك من الركاكة الصناعية فإن الماضي في الجواب لا يقترن بالفاء بدون قد مع خفاء أمر إنكار رؤية سوء العمل حسنا بعد التزيين وتفريعه على ما قبله من الحكمين وكون الإنكار لما أن المزين هو الشيطان العدو والتفريع على قوله تعالى إن الشيطان لكم عدو فأتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير لا يخفى حاله فالوجه المعول عليه ما تقدم جعل عليه وقوله تعالى : فإن الله يضل من يشآء ويهدي من يشاء تعليلا لسببية التزيين لرؤية القبيح حسنا و فيه دفع إستبعاد أن يرى الشخص القبيح حسنا بتزيين العدو إياه ببيان أن ذلك بمشيئة الله عزوجل التابعة للعلم المتعلق بالأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر وإيذان بأن أولئك الكفرة الذين زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا ممن شاء الله تعالى ضلالهم وقوله تعالى : فلا تذهب نفسك عليهم حسرات تفريع عليه أي إذا كان الأمر كذلك فلا تذهب نفسك إلخ وذكر المولى سعدي جلبي أن الهمزة في أفمن على التقدير الأول من التقديرين اللذين

الصفحة 169