كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

نقلا عن الزجاج لإنكار ذهاب نفسه عليه عليهم حسرة والفاء في قوله سبحانه فإن الله إلخ تعليل لما يفهمه النظم الجليل من أنه لا جدوى للتحسر وفي الكشاف أنه تعالى لما ذكر الفريقين الذين كفروا والذين آمنوا قال سبحانه لنبيه أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا يعني أفمن زين له سوء عمله من هذين الفريقين كمن لم يزين له فكأن رسول الله عليه الصلاة و السلام قال لا فقال تعالى فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ويفهم من كلام الطيبي أن فاء فلا تذهب جزائية وفاء فإن الله للتعليل وأن الجملة مقدمة من تأخير فقد قال : إنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان حريصا على إيمان القوم وأن يسلك الضالين في زمرة المهتدي فقيل له عليه الصلاة و السلام على سبيل الإنكار لذلك : أفمن زين له سوء عمله من هذين الفريقين كمن لم يزين له فلا بد أن يقر بالنفي ويقول لا فحينئذ يقال له فإذا كان كذلك فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فقدم وأخر إنتهى وفيه نظر وفي الآيات على ما يقتضيه ظاهر كلام الزمخشري لف ونشر وبذلك صرح الطيبي ثم قال : الأحسن أن تجعل الآيات من الجمع والتقسيم والتفريق فقوله تعالى ياأيها الناس إن وعد الله حق جمع الفريقين معافى حكم نداء الناس وجمع مالهما من الثواب والعقاب في حكم الوعد وحذرهما معا عن الغرور بالدنيا والشيطان وأما التقسيم فهو قوله تعالى الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير وأما التفريق فقوله تعالى أفمن زين له سوء عمله لأنه فرق فيه وبين التفاوت بين الفريقين كما قال الزمخشري أفمن زين له سوء عمله من هذين الفريقين كمن لم يزين له وفرع على ذلك ظهور أن الفاء في أفمن للتعقيب والهمزة الداخلة بين المعطوف والمعطوف عليه لإنكار المساواة وتقرير البون العظيم بين الفريقين وأن المختار من أوجه ذكرها السكاكي في المفتاح تقدير كمن هداه الله تعالى فحذف لدلالة فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولهم في نظم الآيات الكريمة كلام طويل غير ما ذكرناه من أراده فليتبع كتب التفاسير و العربية ولعل فيما ذكرناه مقنعا لمن أوتي ذهنا سليما وفهما مستقيما
والحسرات جمع حسرة وهي الغم على ما فاته والندم عليه كأنه أنحسر عنه ما حمله على ما أزتكبه أو أنحسر قواه من فرط غم أو أدركه أعياء عن تدارك ما فرط منه وأنتصبت على أنها مفعول من أجله أي فلا تهلك نفسك للحسرات والجمع مع أن الحسرة في الأصل مصدر صادق على القليل والكثير للدلالة على تضاعف إغتمامه عليه الصلاة و السلام على أحوالهم أو على كثرة قبائح أعمالهم الموجبة للتأسف والتحسر و عليهم صلة تذهب كما يقال هلك عليه حبا ومات عليه حزنا أو هو بيان للمتحسر عليه فيكون ظرفا مستقرا ومتعلقه مقدر كأنه قيل : على من تذهب فقيل : عليهم وجوز أن يتعلق بحسرات بناء عل أنه يغتفر تقديم معمول المصدر عليه إذا كان ظرفا وهو الذي أختاره والزمخشري لا يجوز ذلك وجوز أن يكون حسرات حالا من نفسك كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر كما قال جرير : مشق الهواجر لحمهن مع السرى حتى ذهبن كلاكلا وصدورا يريد رجعهن كلاكلا وصدورا أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها وهو الذي ذهب إليه سيبويه في البيت وقال المبرد : كلاكلا وصدورا تمييز محول عن الفاعل أي حتى ذهب كلا كلها وصدورها ومن هذا قوله : فعلى أثرهم تساقط نفسي حسرات وذكرهم لي سقام

الصفحة 170