كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وفيه مبالغات ثلاث وقرأ عبيد بن عمير زين مبنيا للفاعل ونصب سوأ وعنه أيضا أسوأ على وزن أفعل وأريد بأسوأ عمله الشرك وقرأ طلحة أمن بغير فاء قال صاحب اللوامح : فالهمزة للإستخبار والتقرير ويجوز أن تكون للنداء وحذف ما نودي لأجله أي تفكر وأرجع إلى الله فإن الله إلخ والظاهر أنها للإنكار كما في قراءة الجمهور وقرأ أبو جعفر وقتادة وعيسى والأشهب وشيبة وأبو حيوة وحميد والأعمش وإبن محيصن تذهب من أذهب مسندا إلى ضمير المخاطب نفسك بالنصب على المفعولية ورويت عن نافع
إن الله عليم بما يصنعون 8 في موضع التعليل لما قبله وفيه للكفرة أي أنه تعالى عليم بما يصنعونه من القبائح فيجازيهم عليه والآيات من قوله تعالى أفمن زين له سوء عمله إلى هنا نزلت على ما روى عن إبن عباس في أبي جهل ومشركي مكة وأخرج جوبير عن الضحاك أنها نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه وأبي جهل حيث هدى الله تعالى عمر وأضل أبا جهل والله الذي أرسل الرياح مبتدأ وخبر وقرأ حمزة والكسائي وإبن كثير الريح وصيغة المضارع في قوله تعالى فتثير سحابا لحكاية الحال الماضية إستحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال القدرة والحكمة وكثيرا ما يفعلون ذلك بفعل فيه نوع تميز وخصوصية بحال تستغرب أوتهم المخاطب أو غير ذلك ومنه قول تأبط شرا : إلا من مبلغ فتيان فهم بما لا قيت عند رحى بطان بأني قد رأيت الغول تهوى بسهب كالصحيفة صحصحان فقلت لها كلانا نضو أرض أخو سفر فخلى لي مكاني فشدت شدة نحوي فأهوت لها كفي بمصقول يماني فأضربها بلا دهش فخرت صريعا لليدين وللجران ولأن الإثارة خاصية للرياح وأثر لاينفك في الغالب عنها فلا يوجد إلا بعد إيجادها فيكون مستقبلا بالنسبة إلى الإرسال وعلى هذا يكون إستعمال المضارع على ظاهره وحقيقته من غير تأويل لأن المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم والفاء دالة على عدم تراخي ذلك وهو شيء آخر وجوز أن يكون الإتيان بما يدل على الماضي ثم بما يدل على المستقبل إشارة إلى إستمرار الأمر وأنه لا يختص بزمان دون زمان إذ لا يصح المضي والإستقبال في شيء واحد سلا إذا قصد ذلك وقال الإمام : إختلاف الفعلين لأنه لما أسند فعل الإرسال إلى الله تعالى وما يفعل سبحانه يكون بقوله عزوجل كن فلا يبقى في العدم زمانا ولا جزء زمان جيء بلفظ الماضي دون المستقبل لوجوب وقوعه وسرعة كونه كأنه كان ولأنه تعالى فرغ من كل شيء فهو سبحانه قدر الإرسال في الأوقات المعلومة وإلى المواضع المعينة والتقدير كالإرسال ولما أسند فعل الإثارة إلى الرياح وهي تؤلف في زمان قال سبحانه : تثير بلفظ المستقبل
وأورد عليه قوله تعالى : في سورة الروم الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا وفي سورة الأعراف وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حيث جيء في الإرسال فيها بالمضارع فتأمل
فسقناه إلى بلد ميت قطعة من الأرض لا نبات فيها وقريء ميت بالتخفيف وهما بمعنى واحد في المشهور

الصفحة 171