كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وفي كليات أبي البقاء الكفوي الميت بالتخفيف هو الذي مات والميت بالتشديد والمائت هو الذي لم يمت بعد وأنشد ومن يك ذا روح فذلك ميت وما الميت إلا من إلى القبر يحمل والمعول عليه هو المشهور فأحيينا به الأرض أي بالمطر النازل منه المدلول عليه بالسحاب فإن بينهما تلازما في الذهن كما في الخارج أو بالسحاب فإنه سبب السبب وإحياء الأرض إنبات الشجر والكلأ فيها بعد موتها يبسها وخلوها عن ذلك وإيراد الفعلين بصيغة الماضي للدلالة على التحقيق وأسنادهما إلى نون العظمة المنبيء عن الإختصاص به تعالى لما فيهما من مزيد الصنع ولتكميل المماثلة بين أحياء الأرض وبين البعث الذي شبه به بقوله تعالى : كذلك النشور 9 في كمال الإختصاص بالقدرة الربانية وقال الإمام عليه الرحمة : اسند أرسل إلى الغائب وساق وأحيي إلى المتكلم لأنه في الأول عرف سبحانه نفسه بفعل من الأفعال وهو الإرسال ثم لما عرف قال تعالى : انا الذي عرفتني سقت السحاب وأحييت الأرض ففي الأول كان تعريفا بالفعل العجيب وفي الثاني كان تذكيرا بالنعمة فإن كمال نعمتي الرياح والسحب بالسوق والأحياء وهو كما ترى
وقال سبحانه : فأحيينا به الأرض دون فأحييناه أي البلد الميت به تعليقا للأحياء بالجنس المعلوم عند كل أحد وهو الأرض ولأن دلك أوفق بأمر البعث وقال تعالى : بعد موتها مع أن الأحياء مؤذن بذلك لما فيه من الإشارة إلى أن الموت للأرض الذي تعلق بها الأحياء معلوم لهم وبذلك يقوى أمر التشبيه فليتأمل
والنشور على ما في البحر مصدر نشر الميت إذا حيي قال الأعشى : حتى يقول الناس مما رأوا ياعجبا للميت الناشر وفي نهاية إبن الأثير يقال نشر الميت ينشر نشورا إذا عاش بعد الموت وأنشره الله تعالى أحياه وقال الراغب : قيل نشر الله تعالى الميت وأنشره بمعنى والحقيقة أن نشر الله تعالى الميت مستعار من نشر الثوب أي بسطه كما قال الشاعر : طوتك خطوب دهرك بعد نشر كذاك خطوبه طيا ونشرا والمراد بالنشور هنا إحياء الأموات في يوم الحساب وهو مبتدأ والجار والمجرور قبله في موضع الخبر وقيل الكاف في حيز الرفع على الخبرية أي مثل ذلك الأحياء الذي تشاهدونه إحياء الأموات يوم القيامة في صحة المقدورية وسهولة التأتي من غير تفاوت بينهما أصلا سوى الألف في الأول دون الثاني وقال أبو حيان : وقع التشبيه بجهات لما قبلت الأرض الميتة الحياة اللائقة بها كذلك الأعضاء تقبل الحياة أو كما أن الريح تجمع قطع السحاب كذلك يجمع الله تعالى أجزاء الأعضاء وأبعاض الموتى أو كما يسوق سبحانه السحاب إلى البلد الميت يسوق عزوجل الروح والحياة إلى البدن وقال بعضهم : التشبيه بإعتبار الكيفية
فقد أخرج إبن جرير وغيره عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه فلا يبقى خلق لله في السموات إلا من شاء الله تعالى إلا مات ثم يرسل الله تعالى من تحت العرش ماء كمني الرجال فتنبت أجسامهم من ذلك الماء وقرأ الآية ثم يقوم ملك فينفخ فيه فتنطلق كل نفس إل جسدها وفي حديث مسلم مرفوعا ينزل الله تعالى مطرا كأنه الطل فينبت أجساد الناس

الصفحة 172