كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

الصالح وضمير النصب يعود على الكلم أي والعمل الصالح برفع الكلم الطيب وروى ذلك عن إبن عباس والحسن وإبن جبير ومجاهد والضحاك : وشهر بن حوشب على ما أخرجه عنه سعيد بن منصور وغيره
وأخرج إبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن إبن عباس أنه فسر العمل الصالح بأداء الفرائض ثم قال : فمن ذكر الله تعالى وأدى فرائضه حمل عمله ذكر الله تعالى فصعد به إلى الله تعالى ومن ذكر الله تعالى ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله وكان عمله أولى به وتعقب ذلك إبن عطية فقال : هذا قول يرد معتقد أهل السنة ولا يصح عن إبن عباس والحق أن العاصي بترك فرائضه إذا ذكر الله تعالى وقال كلاما طيبا كتب له ذلك وتقبل منه وعليه وزر ترك الفرائض والله تعالى يتقبل من كل من إتقى الشرك إنتهى
ولعل المراد برفع العمل الصالح الكلم الطيب رفع قدره وجعله بحيث يترتب عليه من الثواب ما لم يترتب عليه إذا كان بلا عمل وحديث لا يقبل الله قولا إلا بعمل ولا يقبل قولا وعملا إلا بنية ولا يقبل قولا وعملا ونية إلا بإصالة السنة المذكور في الكشاف لا أظن صحته وقيل : إنه لو سلم صحته فالمراد نفي القبول التام ويجوز أن يكون المراد برفعه إياه تحقيقه وتقويته وذلك بإعتبار أن الكلام الطيب هو الإيمان فإنه لا شك أن العمل الصالح يثبت الإيمان ويحققه بإظهار آثاره إذ به يعلم التصديق القلبي وقيل : الفاعل ضمير يعود على الكلم الطيب وضمير النصب يعود على العمل الصالح أي يرفع الكلم الطيب العمل الصالح
ونسب أبو حيان هذا القول إلى أبي صالح وشهر بن حوشب وأيد بقراءة عيسى وإبن أبي عبلة والعمل الصالح بالنصب على الإشتغال وفيه بحث لعدم تعين ضمير الكلم للفاعلية عليها ومعنى رفع الكلم الطيب العمل الصالح قيل أن يزيده بهجة وحسنا ومن فسر الكلم الطيب بالتوحيد قال : معنى ذلك جعله مقبولا فإن العمل لا يقبل إلا بالتوحيد وقيل : الفاعل ضميره تعالى وضمير النصب يعود على العمل وأخرج ذلك إبن المبارك عن قتادة أي والعمل الصالح يرفعه الله تعالى ويقبله قال إبن عطية : هذا أرجح الأقوال عندي وقيل : ضمير الفاعل يعود على العمل وكذا الضمير المنصوب والكلام على حذف مضاف أي والعمل الصالح يرفع عامله ويشرفه ونسب ذلك أبو حيان إلى إبن عباس ثم قال : ويجوز عندي أن يكون العمل معطوفا على الكلم و يرفعه إستئناف إخبار أي يرفعهما الله تعالى ووحد الضمير لإشتراكهما في الصعود والضمير قد يجري مجرى أسم الإشارة فيكون لفظه مفردا والمراد به التثنية فكأنه قيل : ليس صعودهما من ذاتهما بل ذلك برفع الله تعالى إياهما وهو خلاف الظاهر جدا ومثله ما نسبه إلى إبن عباس وأنا لا أظن صحة نسبته إليه وعلى التسليم يحتمل أنه رضي الله تعالى عنه أراد بقوله العمل الصالح يرفع عامله ويشرفه بيان ما تشير إليه الآية في الجملة والذي يتبادر إلى ذهني من الآية ما روى عن قتادة وأختاره إبن عطية وتخصيص العمل الصالح برفع الله تعالى إياه على ذلك قيل لما فيه من الكلفة والمشقة إذ هو الجهاد الأكبر وظاهر هذا أن العمل أشرف من الكلام ولا كلام في ذلك إذا أريد بالعمل الصالح ما يشمل العمل القلبي كالتصديق ولعل الكلام عليه نظير قوله تعالى ولما جاء موسى لميقاتنا وقوله سبحانه سبحان الذي أسرى بعبده وكلام الإمام صريح في أن الكلم الطيب المفسر بالذكر أشرف من العمل حيث جعل صعود الكلم بنفسه دليل ترجيحه على العمل الذي يرفعه غيره وقال في وجه ذلك : الكلام شريف فإن إمتياز الإنسان عن كل حيوان بالنطق والعمل حركة وسكون يشترك فيه الإنسان وغيره والشريف إذا وصل إلى باب الملك لا يمنع ومن دونه لا يجد الطريق إلا عند الطلب ويدل على هذا أن الكافر إذا تكلم بكلمة الشهادة

الصفحة 175