كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

ضعيف مردود يقتضي القول بالأجلين كما ذهبت إليه المعتزلة ليس بشيء ومن العجيب قول إبن كمال : النظر الدقيق بحكم بصحة أن المعمر أي الذي قدر له عمر طويل يجوز أن يبلغ ذلك العمر وأن لا يبلغ فيزيد عمره على الأول وينقص على الثاني ومع ذلك لا يلزم التغيير في التقدير لأن المقدر في كل شخص هو الأنفاس المعدودة لا الأيام المحدودة والأعوام الممدودة ثم قال : فأفهم هذ السر العجيب وكتب في الهامش حتى ينكشف لك سر إختيار حبس النفس ويتضح وجه صحة قوله عليه الصلاة و السلام إن الصدقة والصلة تعمران الديار وتزيدان في الأعمار وتعقبه الشهاب الخفاجي بأنه مما لا يعول عليه عاقل ولم يقل به أحد غير بعض جهلة الهنود مع أنه مخالف لما ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم والنسائي وإبن أبي شيبة وأبو الشيخ عن عبدالله بن مسعود من قول النبي لأم حبيبة وقد قالت : اللهم أمتعني بزوجي النبي وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية سألت الله تعالى لآجال مضروبة وأيام معدودة الحديث وأطال الجلبي في رده وهو غني عنه
وقال بعضهم : يجوز أن لا يبلغ من قدر له عمر طويل ما قدر له بأن يغير ما قدر أولا بتقدير آخر ولا حجر على الله تعالى ويشير إلى ذلك قوله عليه الصلاة و السلام في حديث التراويح خشيت أن تفرض عليكم وقوله في دعاء القنوت وقني شر ما قضيت وخوفه عليه من الله تعالى آلاف آلاف صلاة وسلام من قيام الساعة إذا أشتدت الريح مع إخباره بأن بين يديها خروج المهدي والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها إلى غير ذلك مما لم يحدث بعد وغاية ما يلزم من ذلك تغير المعلوم ولا يلزم منه تغير العلم على ما بين في موضعه وعلى هذا لا إشكال في خبر الصدقة تزيد في العمر ويتضح أمر فائدة الدعاء وما يحكي عن بعضهم من نفي القضاء المبرم يرجع إليه وقد رأيت كراسة لبعض الأفاضل أطال الكلام فيها لتشييد هذا القول وتثبيت أركانه والحق عندي أن ما في العلم الأزلي المتعلق بالأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر لا يتغير ويجب أن يقع كما علم وإلا يلزم الإنقلاب وما يتبادر منه خلاف ذلك إذا صح مؤول وخبر الصدقة تزيد في العمر قيل إنه خبر آحاد فلا يعارض القطعيات وقيل المراد أن الصدقة وكذا غيرها من الطاعات تزيد فيما هو المقصود الأهم من العمر وهو إكتساب الخير والكمال والبركة الي بها تستكمل النفوس الإنسانية فتفوز بالسعادة الأبدية والدعاء حكمه حكم سائر الأسباب من الأكل والشرب والتحفظ من شدة الحر والبرد مثلا ففائدته كفائدتها وقيل هو لمجرد إظهار الإحتياج والعبودية فليتدبر
وقيل الضمير للمعمر والنقص لغيره أي ولا ينقص من عمر المعمر لغيره بأن يعطى له عمر ناقص من عمره وقيل الضمير للمنقوص من عمره وهو وإن لم يصرح به في حكم المذكور كما قيل
وبضدها تتبين الأشياء
فيكون عائدا على ما علم من السياق أي ولا ينقص من عمر المنقوص من عمره بجعله ناقصا
وقرأ الحسن وإبن سيرين وعيسى ولا ينقص بالبناء للفاعل وفاعله ضمير المعمر أو عمره و من زائدة في الفاعل وإن كان متعديا جاز كونه ضمير الله تعالى وقرأ الأعرج من عمره بسكون الميم إلا في كتاب عن إبن عباس هو اللوح المحفوظ وجوز أن يراد به صحيفة الإنسان فقد أخرج إبن المنذر وإبن أبي حاتم عن حذيفة بن اسيد الغفاري قال قال : رسول الله : يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو بخمس وأربعين ليلة فيقول يارب أشقي أم سعيد أذكر أم أنثى فيقول الله تعالى ويكتب ثم يكتب عمله

الصفحة 178