كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

ورزقه وأجله وأثره ومصيبته ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص منها وجوز أيضا أن يراد به علم الله عزوجل وذكر في ربط الآيات أن قوله تعالى : والله خلقكم من تراب إلخ مساق للدلالة على القدرة الكاملة وقوله سبحانه : وما تحمل من أنثى إلخ للعلم الشامل وقوله عزوجل : وما يعمر من معمر إلخ لإثبات القضاء والقدر والمعنى وما يعمر منكم خطابا لأفراد النوع الإنساني وأيد بذلك الوجه الأول من أوجه وما يعمر إلخ إن ذلك أي ما ذكر من الخلق وما بعده مع كونه محارا للعقول والأفهام على الله يسير 11 لإستغنائه تعالى عن الأسباب فكذلك البعث والنشور وما يستوي البحران هذا عذب طيب فرات كاسر العطش ومزيله
وقال الراغب : الفرات الماء العذب يقال للواحد والجمع ولعل الوصف على هذا على طرز أسود حالك وأصفر فاقع سائغ شرابه سهل إنحداره لخلوه مما تعافه النفس وقرأ عيسى سيغ كميت بالتشديد وجاء كذلك عن أبي عمرو وعاصم وقرأ عيسى أيضا سيغ كميت بالتخفيف وهذا ملح متغير طعمه التغير المعروف وقرأ أبو نهيك وطلحة ملح بفتح الميم وكسر اللام قال أبو الفتح الرازي : وهي لغة شاذة وجوز أن يكون مقصورا من مالح للتخفيف وهو مبني على ورود مالح والحق وروده بقلة وليس بلغة رديئة كما قيل
وفرق الإمام بين الملح والمالح بأن الملح الماء الذي فيه الطعم المعروف من أصل الخلقة كماء البحر والمالح الماء الذي وضع فيه ملح فتغير طعمه ولا يقال فيه إلا مالح ولم أره لغيره وقال بعضهم : لم يرد مالح أصلا وهو قول ليس بالمليح أجاج شديد الملوحة والحرارة من قولهم أجيج النار وأجتها ومن هنا قيل هو الذي يحرق بملوحته وهذا مثل ضرب للمؤمن والكافر وقوله تعالى : ومن كل أي من كل واحد منهما تأكلون لحما طريا أي غضا جديدا وهو السمك على ما روى عن السدي وقيل الطير والسمك وأختار كثير الأول والتعبير عن السمك باللحم مع كونه حيوانا قيل للتلويح بإنحصار الإنتفاع به في الأكل ووصفه بالطراوة للأشعار بلطافته والتنبيه على المسارعة إلى أكله لئلا يتسارع إليه الفساد كما ينبيء عنه جعل كل من البحرين مبدأ أكله
وأستدل مالك والثوري بالآية حيث سمى فيها السمك لحما على حنث من حلف لا يأكل لحما وأكل سمكا وقال غيرهما : لا يحنث لأن مبني الأيمان على العرف وهو فيه لا يسمى لحما ولذلك لا يحنث من حلف لا يركب دابة فركب كافرا مع أن الله تعالى سماه دابة في قوله سبحانه : إن شر الدواب عند الله الذين كفروا ولا يبعد عندي أن يراد بلحما لحم السمك ودعوى التوليح بإنحصار الإنتفاع بالسمك في الأكل لا أظنها تامة وتستخرجون ظاهره ومن كل تستخرجون حلية تلبسونها والحلية التي تستخرج من البحر الملح اللؤلؤ والمرجان ويلبس ذلك الرجال والنساء وإن أختلفت كيفية اللبس أو يقال عبر عن لبس نسائهم بلبسهم لكونهن منهم أو لكون لبسهن لأجلهم ولا نعلم حلية تستخرج من البحر العذب ولا يظهر هنا إعتبار إسناد ما للبعض إلى الكل كما أعتبر ذلك في قوله تعالى : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وكون بعض الصخور التي في مجاري السيول قد تكسر فيوجد فيها ماس وهو حلية تلبس إن صح لا ينفع إعتباره هنا إذ ليس فيه إستخراج الحلية من البحر العذب ظاهرا وقيل : لا يبعد أن تكون الحلية المستخرجة من ذلك عظام السمك التي يصنع منها قبضات للسيوف

الصفحة 179