كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وتفسير الرجس بالذنوب على العصمة فذهبوا إلى أن عليا وفاطمة والحسنين رضي الله تعالى عنهم معصومون من الذنوب عصمته صلى الله تعالى عليه وسلم منها وتعقبه بعض أجلة المتأخرين بأنه لو فرض تعين كل ما ذهبوا إليه لا تسلم دلالتها على العصمة بل لها دلالة على عدمها إذ لا يقال في حق من هو طاهر : إن أريد أن أطهره ضرورة إمتناع تحصيل الحاصل وغاية ما في الباب أن كون أولئك الأشخاص رضي الله تعالى عنهم محفوظين من الرجس والذنوب بعد تعلق الإرادة بإذهاب رجسهم يثبت بالآية ولكن هذا أيضا على أصول أهل السنة لا على أصول الشيعة لأن وقوع مراده تعالى غير لازم عندهم لإرادته عزوجل مطلقا وبالجملة لو كانت إفادة معنى العصمة مقصودة لقيل هكذا إن الله أذهب عنكم الرجس أهل البيت وطهركم تطهيرا وأيضا لو كانت مفيدة للعصمة ينبغي أن يكون الصحابة لا سيما الحاضرين في غزوة بدر قاطبة معصومين لقوله تعالى فيهم : ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون بل لعل هذا أفيد لما فيه من قوله سبحانه : وليتم نعمته عليكم فإن وقوع هذا الإتمام لا يتصور بدون الحفظ عن المعاصي وشر الشيطان وقرر الطبرسي وجه الإستدلال بها على العصمة بأن إنما لفظة محققة لما أثبت بعدها نافية لما لم يثبت فإذا قيل : إنما لك عندي درهم أفاد أنه ليس للمخاطب عنده سوى درهم فتفيد الآية تحقق الإرادة ونفي غيرها والإرادة لا تخلو من أن تكون هي الإرادة المحضة أو الإرادة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرجس لا يجوز أن تكون الإرادة المحضة لأنه سبحانه وتعالى قد أراد من كل مكلف ذلك بالإرادة المحضة فلا إختصاص لها بأهل البيت دون سائر المكلفين ولأن هذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بلا ريب ولا مدح في الإرادة فتعين إرادة الإرادة بالمعنى الثاني وقد علم أن هذا من عدا أهل الكساء غير مراد فتختص العصمة بهم وهو كما ترى على أنه قد ورد في كتب الشيعة ما يدل على عدم عصمة الأمير كرم الله تعالى وجهه وهو أفضل من ضمه الكساء بعد رسول الله ففي نهج البلاغة أنه كرم الله تعالى وجهه قال لأصحابه : لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست بفوق أن أخطيء ولا آمن من ذلك في فعلي إلا أن يلقى الله تعالى في نفسي ما هو أملك به مني
وفيه أيضا كان كرم الله تعالى وجهه يقول في دعائه : اللهم أغفر لي ما تقربت به إليك وخالفه قلبي وقصد التعليم كما في بعض الأدعية النبوية بعيد كذا قيل فتدبر ولا تغفل و فسر بعض أهل السنة الإرادة ههنا بالمحبة قالوا : لأن لو أريد بها الإرادة التي يتحقق عندها الفعل لكان كل من أهل البيت إلى يوم القيامة محفوظا من كل ذنب والمشاهد خلافه والتخصيص بأهل الكساء وسائر الأئمة الأثني عشر كما ذهب إليه الإمامية المدعون عصمتهم مما لا يقوم عليه دليل عندنا والمدح جاء من جهة الإعتناء بشأنهم وإفادتهم محبة الله تعالى لهم هذا الأمر الجليل الشأن ومخاطبته سبحانه إياهم بذلك وجعله قرآنا يتلى إلى يوم القيامة
وقد يستدل على كون الإرادة ههنا بالمعنى المذكور دون المعنى المشهور الذي يتحقق عنده الفعل بأنه قال حين أدخل عليا وفاطمة والحسنين رضي الله تعالى عنهم تحت الكساء اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فإنه أي حاجة للدعاء لو كان ذلك مرادا بالإرادة بالمنعنى المشهور وهل هو إلا دعاء بحصول واجب الحصول
وأستدل بهذا بعضهم على عدم نزول الآية في حقهم وإنما أدخلهم صلى الله تعالى عليه وسلم في أهل البيت

الصفحة 18