كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

والخناجر مثلا فتحمل ويتحلى بها وفيه ما فيه لا سيما إذا كانت الحلية كالحلى ما يتزين به من مصنوع المعدنيات أو الحجارة وقال الخفاجي : لا مانع من أن يخرج اللؤلؤ من المياه العذبة وإن لم نره ولا يخفى ما فيه من البعد
وذهب بعض الأجلة للخلاص من القيل والقال أن المراد وتستخرجون من البحر الملح خاصة حلية تلبسونها ويشعر به كلام السدي يحتمل ثلاثة أوجه الأول أنه أستطرد في صفة البحرين وما فيهما من النعم والمنافع
والثاني أنه تتميم وتكميل للتمثيل لتفضيل المشبه به على المشبه وليس من ترشيح الإستعارة كما زعم الطيبي في شيء بل إنما هو إستدراك لدعوى الإشتراك بين المشبه والمشبه به يلزم منه أن يكون المشبه أقوى وهذا الإستدراك مخصوص بالملح وإيضاحه أنه شبه المؤمن والكافر بالبحرين ثم فضل الأجاج على الكافر بأنه قد شارك الفرات في منافع والكافر خلو من النفع فهو على طريقة قوله تعالى : ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ثم قال سبحانه : وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله والثالث أنه من تتمة التمثيل على معنى أن البحرين وإن أشتركا في بعض الفوائد تفاوتا فيما هو المقصود بالذات لأن أحدهما خالطه ما لم يبقه على صفاء فطرته كذلك المؤمن والكافر وإن أتفق إتفاقهما في بعض المكارم كالشجاعة والسخاوة متفاوتان فيما هو الأصل لبقاء أحدهما على الفطرة الأصلية دون الآخر فجملة ومن كل إلخ حالية وعندي خير الأوجه الثلاثة أوسطها وعلى كل يحصل الجواب عما قيل كيف يناسب ذكر منافع البحر الملح وقد شبه به الكافر وقال أبو حيان : إن قوله تعالى : وما يستوي البحران إلخ لبيان ما يستدل به كل عاقل على أنه مما لا مدخل لصنم فيه
وقال الإمام : الأظهر أنه دليل لكمال قدرة الله عزوجل وما ذكرنا أولا من أنه تمثيل للمؤمن والكافر هو المشهور رواية ودراية وفيه من محاسن البلاغة ما فيه وترى الفلك السفن فيه أي في كل منهما وانظر هل يحسن رجوع الضمير للبحر الملح لإنسياق الذهن إليه من قوله سبحانه : وتستخرجون حلية تلبسونها بناء على أن المعروف إستخراجها منه خاصة وأمر الفلك فيه أعظم من أمرها في البحر العذب ولذا أقتصر على رؤية الفلك فيه على الحال التي ذكر الله تعالى وأفرد ضمير الخطاب مع جمعه فيما سبق وما لحق لأن الخطاب لكل أحد تتأتى منه الرؤية دون المنتفعين بالبحرين فقط مواخر شواق للماء يجريها مقبلة ومدبرة بريح واحدة فالمخر الشق
قال الراغب : يقال مخرت السفينة مخرا ومخورا إذا شقت الماء بجوجئها وفي الكشاف يقال : مخرت السفينة الماء ويقال للسحاب بنات مخر لأنها تمخر الهواء والسفن الذي أشتقت منه السفينة قريب من المخر لأنها تسفن الماء كأنها تقشره كما تمخره وقيل المخرصوت جرى الفلك وجاء في سورة النحل وترى الفلك مواخر فيه بتقديم مواخر وتأخير فيه وعكس ههنا فقيل في وجهه لأنه علق فيه هنا بتري وثمت بمواخر ولا يحسم مادة السؤال
والذي يظهر لي في ذلك أن آية النحل سيقت لتعداد النعم كما يؤذن بذاك سوابقها ولواحقها وتعقيب الآيات بقوله سبحانه : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها فكان الأهم هناك تقديم ما هو نعمة وهو مخر الفلك للماء بخلاف ما هنا فإنه إنما سيق إستطرادا او تتمة للتمثيل كما علمت آنفا فقدم فيه فيه إيذانا بأنه ليس المقصود بالذات ذلك وكأن الإهتمام بما هناك أقتضى أن يقال في تلك الآية ولتبتغوا بالواو ومخالفة ما هنا لذلك

الصفحة 180