كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

جملة مبتدأة واقعة في مقابلة قوله تعالى والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير 31 ويكون ذلك مقررا لما قبله من التفرد بالألهية والربوبية وإستدلالا عليه إذ حاصله جميع الملك والتصرف في المبدأ والمنتهي له تعالى وليس لغيره سبحانه منه شيء ولذا قيل إن فيه قياسا منطقيا مطويا وجوز أن يكون مقررا لقوله تعالى : والله خلقكم إلخ وقوله تعالى : يولج إلخ فجملة الذين تدعون إلخ عليه إما إستئنافية أيضا وهي معطوفة على جملة له الملك وإما حال من الضمير المستقر في الظرف أعني له وعلى الوجه الأول هي معطوفة على جملة ذلكم الله إلخ أو حال أيضا والقطمير على ما أخرج إبن جرير وغيره عن مجاهد لفافة النواة وهي القشر الأبيض الرقيق الذي يكون بين التمر والنواة وهو المعنى المشهور
وأخرج إبن جرير وإبن المنذر أنه القمع الذي هو على رأس التمرة وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه القشرة على رأس النواة وهو ما بين القمع والنواة وقال الراغب إنه الأثر على ظهر النواة وقيل هو قشر الثوم وأياما كان فهو مثل للشيء الدنيء الطفيف قال الشاعر :
وأبوك يخصف نعله متوركا ما يملك المسكين من قطمير وقرأ عيسى وسلام ويعقوب يدعون بالياء التحتانية إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم إستئناف مقرر لما قبله كاشف عن جلية حال ما يدعونه بأنه جماد ليس من شأنه السماع هذا إذا كان الكلام مع عبدة الأصنام ويحتمل أن يكون مع عبدتها وعبدة الملائكة وعيسى وغيرهم من المقربين وعدم السماع حينئذ إما لأن المعبود ليس من شأنه ذلك كالأصنام وإما لأنه في شغل شاغل وبعد بعيد عن عابده كعيسى عليه السلام وروى هذا عن البلخي أو لأن الله عزوجل حفظ سمعه من أن يصل إليه مثل هذا الدعاء لغاية قبحه وثقله على سمع من هو في غاية العبودية لله سبحانه فلا يرد أن الملائكة عليهم السلام يسمعون وهم في السماء كما ورد في بعض الآثار دعاء المؤمنين ربهم سبحانه وفي نظم ذي النفوس القدسية في سلك الملائكة عليهم السلام من حيثية السماع وهم في مقار نعيمهم توقف عندى بل في سماع كل من الملائكة عليهم السلام وهم في السماء وذوي النفوس القدسية وهم في مقار نعيمهم نداء من ناداهم غير معتقد فيهم الآلهية توقف عندى أيضا إذ لم أظفر بدليل سمعي على ذلك والعقل يجوزه لكن لا يكتفي بمجرد تجويزه في القول به
ولو سمعوا على سبيل الفرض والتقدير ما أستجابوا لكم لأنهم لم يرزقوا قوة التكلم والسماع لا يستلزم ذلك فالمراد بالإستجابة الإستجابة بالقول ويجوز أن يراد بها الإستجابة بالفعل أي ولو سمعوا ما نفعوكم لعجزهم عن الأفعال بالمرة هذا إذا كان المدعون الأصنام وأما إذا كانوا الملائكة عليهم السلام أو نحوهم من المقربين فعدم الإستجابة القولية لأن دعاءهم من حيث زعم أنهم آلهة وهم بمعزل عن الآلهية فكيف يجيبون زاعم ذلك فيهم وفيه من التهمة ما فيه وعدم الإستجابة الفعلية يحتمل أن يكون لهذا أيضا ويحتمل أن يكون لأن نفع من دعاهم ليس من وظائفهم وقيل لأنهم يرون ذلك نقصا في العبودية والخضوع لله عزوجل
ويجوز أن يكون هذا تعليلا للأول أيضا فتأمل ويوم القيامة يكفرون بشرككم فضلا عن أن يستجيبوا لكم إذا دعوتموهم وشرك مصدر مضاف إلى الفاعل أي ويوم القيامة يجحدون إشراككم إياهم

الصفحة 182