كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وعبادتكم إياهم وذلك بأن يقدر الله تعالى الأصنام على الكلام فيقولون لهم ما كنتم إيانا تعبدون أو يظهر من حالها ظهور نار القرى ليلا على علم ما يدل على ذلك ولسان الحال أفصح من لسان المقال ومن هذا القبيل قول ذي الرمة : وقفت على ربع لمية ناطق يخاطبني آثاره وأخاطبه وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه وإن كان المدعوون الملائكة ونحوهم فأمر التكلم ظاهر وقد حكى الله تعالى قول الملائكة للمشركين في السورة السابقة بقوله سبحانه ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ولا ينبئك مثل خبير 41 أي لا يخبرك بالأمر مخبر مثل خبيرا خبرك به يعني به تعالى نفسه كما روى عن قتادة وغيره فإنه سبحانه الخبير بكنه الأمور وهو خطاب للنبي ويجوز أن يكون غير مختص أي لا يخبرك أيها السامع كائنا من كنت مخبر هو مثل الخبير العالم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء والمراد تحقيق ما أخبر سبحانه به من حال آلهتهم ونفي ما يدعون لهم من الآلهية
وقال إبن عطية : يحتمل أن يبكون ذلك من تمام ذكر الأصنام كأنه قيل : ولا يخبرك مخبر مثل من يخبرك عن نفسه وهي قد أخبرت عن أنفسها بأنها ليست بآلهة وفيه من البعد ما فيه
ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله في أنفسكم وفيما يعن لكم من أمر مهم أو خطب ملم وتعريف الفقراء للجنس أو للإستغراق إذ لا عهد وعرف كذلك للمبالغة في فقرهم كأنهم لكثرة إفتقارهم وشدة إحتياجهم هم الفقراء فحسب وأن إفتقار سائر الخلائق بالنسبة إلى فقرهم بمنزلة العدم ولذلك قال تعالى وخلق الإنسان ضعيفا ولا يرد الجن إذ هم لا يحتاجون في المطعم والملبس وغيرهما كما يحتاج الإنسان وضعفهم ليس كضعفه فلا حاجة إلى إدخالهم في الناس تغليبا على أنه قيل لا يضر ذلك إذ الكلام مع من يظهر القوة والعناد من الناس والقول أن القصر إضافي بالنسبة إليه تعالى لا يخفى ما فيه وقال صاحب الفرائد : الوجه أن يقال والله تعالى أعلم المراد الناس وغيرهم وهو على طريقة تغليب الحاضر على الغائب وأولى العلم على غيرهم وهو بعيد جدا
وقال العلامة الطيبي : الذي يقتضيه النظم الجليل أن يحمل التعريف في الناس على العهد وفي الفقراء على الجنس لأن المخاطبين هم الذي خوطبوا في قوله تعالى ذلكم الله ربكم له الملك الآية أي ذلكم المعبود هو الذي وصف بصفات الجلال لا الذين تدعون من دونه وأنتم أشد الخلائق إحتياجا إليه عزوجل ولا يخلو عن حسن والله هو الغني عن كل شيء لا غيره الحميد 51 المنعم على جميع الموجودات المستحق بأنعامه سبحانه للحمد وأصله المحمود وأريد به ذلك على طريق الكناية ليناسب ذكره بعد فقرهم إذ الغني لا ينفع الفقير إلا إذا كان جوادا منعما ومثله مستحق للحمد وهذا كالتكميل لما قبله كما في قول كعب الغنوي : حليم إذا ما الحلم زين أهله مع الحلم في ين العدو مهيب ويدخل في عموم المستغنى عنه المخاطبون وعبادتهم وفي كلام الطيبي رائحة التخصيص حيث قال ما سمعت

الصفحة 183