كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

نقله وهو سبحانه غني عنكم وعن عبادتكم لأنه تعالى حميد له عباد يحمدونه وإن لم تحمدوه وأنتم والأولى التعميم
وما روى في سبب النزول من أنه لما كثر من النبي الدعاء وكثر الإصرار من الكفار قالوا لعل الله تعالى محتاج لعبادتنا فنزلت لا يقتضي شيئا من التخصيص في الآية كما لا يخفى إن يشأ يذهبكم أي إن يشأ سبحانه إذهابكم أيها الناس والإتيان بخلق جديد يذهبكم ويأت بخلق جديد 61 بعالم غير الناس لا تعرفونه هذا إذا كان الخطاب عاما أو إن يشأ يذهبكم أيها المشركون أو العرب ويأت بخلق جديد ليسوا على صفتكم بل مستمرون على طاعته وتوحيده وهذا إذا كان الخطاب خاصا وتفسير الجديد بما سمعت مروى عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما وأياما كان فالجملة تقرير لإستغنائه عزوجل وما ذلك أي ما ذكر من إذهابهم والإتيان بخلق جديد على الله بعزيز 71 أي بصعب فإن أمره تعالى إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
وإن كان في الناس تغليب الحاضر على الغائب وأولى العلم على غيرهم وكان الخطاب هنا على ذلك الطراز وقلنا إن الآية تشعر بأن ما يأتي به سبحانه من العالم أبدع أشكل بحسب الظاهر قول حجة الإسلام ليس في الإمكان أبدع مما كان وأجيب بأن ذلك على فرض وقوعه داخل في حيز ما كان وهو مع هذا العالم كبعض أجزاء هذا العالم مع بعض أو بأن الأبدعية المشعور بها بمعنى والأبدعية في كلام حجة الإسلام بمعنى آخر فتدبر
ولا تزر وازرة أي لا تحمل نفس آثمة وزر أخرى أي إثم نفس أخرى بل تحمل كل نفس وزرها
ولا منافاة بين هذا وقوله تعالى في سورة العنكبوت وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم فإنه في الضالين المضلين وهم يحملون أثم إضلالهم مع إثم ضلالهم وكل ذلك آثامهم ليس فيها شيء من آثام غيرهم ولا ينافيه قوله سبحانه مع أثقالهم لأن المراد بإتفاقهم ما كان بمباشرتهم وبما معها ما كان بسوقهم وتسببهم فهو للمضلين من وجه وللآخرين من آخر وإن تدع مثقلة أي نفس أثقلتها الأوزار إلى حملها الذي أثقلها ووزرها الذي بهضها ليحمل شيء منه ويخفف عنها وقيل : أي إلى حمل حملها لا يحمل منه شيء لم تجب بحمل شيء منه والظاهر أن ولا تزر إلخ نفي للحمل الإختياري تكرما من نفس الحامل ردا لقول المضلين ولنحمل خطاياكم ويؤيده سبب النزول فقد روى أن الوليد بن المغيرة قال لقوم من المؤمنين أكفروا بمحمد وعلى وزركم فنزلت
وهذا نفي للحمل بعد الطلب من الوازرة أعم من أن يكون إختيارا أو جبرا وإذا لم يجبر أحد على الحمل بعد الطلب والإستعانة علم عدم الجبر بدونه بالطريق الأولى فيعم النفي أقسام الحمل كلها وكذا الحامل أعم من أن يكون وازرا أم لا وجاء العموم من عدم ذكر المدعو ظاهرا وقد يقال مع ذلك : إن في الأولى نفي حمل جميع الوزر بحيث يتعرى منه المحمول عنه وفي الثاني نفي التخفيف فلا إتحاد بين مضموني الجملتين كما لا يخفى وقيل في الفرق بينهما : إن الأول نفي الحمل إجبارا والثاني نفي له إختيارا وتعقب بأن المناسب على هذا ولا يوزر على وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها أحدا لا يحمل منه شيئا وأيضا حق نفي الإجبار أن يتعرض له بعد نفي الإختيار وقيل : أن الجملة الأولى كما دلت على أن المثقل بالذنوب لا يحمل أحد من ذنوبه شيئا دلت على عدله تعالى الكامل والجملة الثانية دلت على أنه لا مستغاث من هول ذلك اليوم أيضا وهما المقصودان من الآيتين

الصفحة 184