كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

تعالى غائبين عن عذابه سبحانه أو عن الناس في خلواتهم أو يخشون عذاب ربهم غائبا عنهم فالجار والمجرور في موضع الحال من الفاعل أو من المفعول وأقاموا الصلاة أي راعوها كما ينبغي وجعلوها منارا منصوبا وعلما مرفوعا أي إنما ينفع إنذارك وتحذيرك هؤلاء من قومك دون من عداهم من أهل التمرد والعناد ونكتة إختلاف الفعلين تعلم مما مر في قوله تعالى الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فتذكر ما في العهد من قدم
ومن تزكى تطهر من أدناس الأوزار والمعاصي بالتأثر من هذا الإنذارات فإنما يتزكى لنفسه لإقتصار نفعه عليها كما أن من تدنس بها لا يتدنس إلا عليها والتزكي شامل للخشية وإقامة الصلاة فهذا تقرير وحث عليهما
وقرأ العباس عن أبي عمرو ومن يزكى فإنما يزكي بالياء من تحت وشد الزاي فيهما وهما مضارعان أصلهما ومن يتزكى فإنما يتزكى فأدغمت التاء في الزاي كما أدغمت في يذكرون وقرأ إبن مسعود وطلحة ومن أزكى بإدغام التاء في الزاي وإجتلاب همزة الوصل في الإبتداء وطلحة أيضا فإنما تزكى بإدغام التاء في الزاي وإلى الله المصير 81 لا إلى أحد غيره إستقلالا أو إشتراكا فيجازيهم على تزكيهم أحسن الجزاء وما يستوي الأعمى والبصير 91 عطف عل قوله تعالى وما يستوي البحران والأعمى والبصير مثلان للكافر والمؤمن كما قال قتادة والسدي وغيرهما وقيل هما مثلان للصنم ولله عزوجل فهو من تتمة قوله تعالى ذلكم الله ربكم له الملك والمعنى لا يستوي الله تعالى مع ما عبدتم ولا الظلمات ولا النور 02 أي ولا الباطل ولا الحق ولا الظل ولا الحرور 12 ولا الثواب ولا العقاب وقيل : ولا الجنة ولا النار والحرور فعول من الحر وأطلق كما خحكى عن الفراء على شدة الحر ليلا أو نهارا وقال أبو البقاء : هو شدة حر الشمس وفي الكشاف الحرور السموم إلا أن السموم يكون بالنهار والحرور بالليل والنهار وقيل : بالليل وما يستوي الأحياء ولا الأموات تمثيل آخر للمؤمنين الذين دخلوا في الدين بعد البعثة والكافرين الذين أصروا وأستكبروا فالتعريف كما قال الطيبي للعهد وقيل : للعلماء والجهلاء
والثعالبي جعل الأعمى والبصير مثلين لهما وليس بذاك إن الله يسمع من يشاء أي سمعه ويجعله مدركا للأصوات وقال الخفاجي وغيره : ولعل في الآية ما يقتضي أن المراد يسمع من يشاء سماع تدبر وقبول لآياته عزوجل وما أنت بمسمع من في القبور 22 ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات وأشباع في إقناطه عليه الصلاة و السلام من إيمانهم والباء مزيدة للتأكيد أي وما أنت مسمع والمراد بالسماع هنا ما أريد به في سابقه ولا يأبى إرادة السماع المعروف ماورد في حديث القليب لأن المراد نفي الأسماع بطريق العادة وما في الحديث من باب وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وإلى هذا ذهب البعض وقد مر الكلام في ذلك فلا تغفل
وما ألطف نظم هذه التمثيلات فقد شبه المؤمن والكافر أولا بالبحرين وفضل البحر الأجاج على الكافر لخلوه من النفع ثم بالأعمى والبصير مستتبعا بالظلمات والنور والظل والحرور فلم يكتف بفقدان نور البصر حتى ضم إليه فقدان ما يمده من النور الخارجي وقرن إليه نتيجة ذلك العمى والفقدان فكان فيه ترق من التشبيه الأول إليه ثم بالأحياء والأموات ترقيا ثانيا وأردف قوله سبحانه وما أنت بمسمع من في القبور
وذكر الطيبي أن إخلاء الثاني من لا المؤكدة لأنه كالتمهيد لقوله تعالى وما يستوي الأحياء ولا الأموات

الصفحة 186