كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وقرأ الأشهب والحسن بمسمع من بالإضافة إن أنت إلا نذير 32 أي ما عليك إلا أن تبلغ وتنذز فإن كان المنذر ممن أراد الله تعالى هدايته سمع وأهتدى وإن كان ممن أراد سبحانه ضلاللاه وطبع على قلبه فما عليك منه تبعة إنا أرسلناك بالحق أي محقين على أنه حال من الفاعل أو محقا على أنه حال من المفعول أو إرسالا مصحوبا بالحق على أنه صفة لمصدر محذوف وجوز الزمخشري تعلقه بقوله سبحانه بشيرا ومتعلق قوله تعالى ونذيرا محذوف لدلالة المقابل على مقابله أي بشيرا بالوعد الحق ونذيرا بالوعيد الحق
وإن من أمة أي ما من جماعة كثيرة أهل عصر وأمة من الأمم الدارجة في الأزمنة الماضية إلا خلا مضى فيها نذير 42 من نبي أو عالم ينذرها والإكتفاء بذكره للعلم بأن النذارة قريبة البشارة لا سيما وقد أقترنا آنفا مع أن الإنذار أنسب بالمقام وقيل خص النذير بالذكر لأن البشارة لا تكون إلا بمسمع فهو من خصائص الأنبياء عليهم السلام فالبشير نبي أو ناقل عنه بخلاف النذارة فإنها سمعا وعقلا فلذا وجه النذير في كل أمة وفيه بحث
وأستدل بعض الناس بهذه الآية مع قوله تعالى : وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم على في البهائم وسائر الحيوانات أنبياء أو علماء ينذرون والإستدلال بذلك باطل لا يكاد نفي بطلانه على أحد حتى على البهائم ولم نسمع القول بنبوة فرد من البهائم ونحوها إلا عن الشيخ محيي الدين ومن تابعه قدس الله سره ورأيت في بعض الكتب أن القول بذلك كفر والعياذ بالله تعالى
وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم من الأمم العاتية فلا تحزن من تكذيب هؤلاء إياك
جاءتهم رسلهم في موضع الحال على ما قال أبو البقاء إما بدون تقدير قد أو بتقديرها أي كذب الذين من قبلهم وقد جاءتهم رسلهم بالبينات أي بالمعجزات الظاهرة الدالة على صدقهم فيما يدعون وبالزبر كصحف إبراهيم عليه السلام وبالكتاب المنير 52 كالتوراة والإنجيل على إرادة التفصيل يعني أن بعضهم جاء بهذا وبعضهم جاء بهذا لا على إرادة الجمع وأن كل رسول جاء بجميع ما ذكر حتى يلزم أن يكون لكل رسول كتاب وعدد الرسل أكثر بكثير من عدد الكتب كما هو معروف ومآل هذا إلى منع الخلو ويجوز أن يراد بالزبر والكتاب واحد والعطف لتغاير العنوانين لكن فيه بعد ثم أخذت الذين كفروا وضع الظاهر موضع ضميرهم لذمهم بما حيز الصلة والإشعار بعلة الأخذ فكيف كان نكير 62 أي إنكاري عليهم بالعقوبة وفيه مزيد تشديد وتهويل وقد تقدم الكلام في نظير هذا في سبأ فتذكر
وفي الآية من تسليته ما فيها ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء إلخ إستئناف مسوق على ما يخطر بالبال لتقرير ما أشعر به قوله تعالى ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير من عظيم قدرته عزوجل وقال شيخ الإسلام : هو لتقرير ما قبله من إختلاف الناس ببيان أن الإختلاف والتفاوت أمر مطرد في جميع المخلوقات من النبات والجماد والحيوان
وقال أبو حيان : تقرير لوحدانيته تعالى بأدلة سماوية وأرضية أثر تقريرها بأمثال ضربها جل شأنه وهذا

الصفحة 188