كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

المذكور في الآية بدعائه الشريف عليه الصلاة و السلام ولا يخلو جميع ما ذكر عن بحث والذي يظهر لي أن المراد بأهل البيت من لهم مزيد علاقة به ونسبة قوية قريبة إليه عليه الصلاة و السلام بحيث لا يقبح عرفا إجتماعهم وسكناهم معه في بيت واحد ويدخل في ذلك أزواجه الأربعة أهل الكساء وعلي كرم الله تعالى وجهه مع ماله من القرابة من رسول الله قد نشأ في بيته وحجره عليه الصلاة و السلام فلم يفارقه وعامله كلده صغيرا وصاهره وآخاه كبيرا والإرادة على معناها الحقيقي المستتبع للفعل والآية لا تقوم دليلا على عصمة أهل بيته صلى الله تعالى عليه وسلم الموجودين حين نزولها وغيرهم ولا على حفظهم من الذنوب على ما يقوله أهل السنة لا لإحتمال أن يكون المراد توجيه الأمر والنهي أو نحوه لإذهاب الرجس والتطهير بأن يجعل المفعول به ليريد محذوفا ويجعل ليذهب ويطهر في موضع المفعول له وإن لم يكن فيه بأس وذهب إليه من ذهب بل لأن المعنى حسبما ينساق إليه الذهن ويقتضيه وقوع الجملة موقع التعليل للنهي والأمر نهاكم الله تعالى وأمركم لأنه عزوجل يريد بنهيكم وأمركم إذهاب الرجس عنكم وتطهيركم وفي ذلك غاية المصلحة لكم ولا يريد بذلك إمتحانكم وتكليفكم بلا منفعة تعود إليكم وهو على معنى الشرط أي يريد بنهيكم وأمركم ليذهب عنكم الرجس ويطهركم أن إنتهيتم وأئتمرتم ضرورة أن أسلوب الآية نحو أسلوب قول القائل لجماعة علم أنهم إذا شربوا الماء أذهب عنهم عطشهم لا محالة يريد الله سبحانه بالماء ليذهب عنكم العطش فإنه على معنى يريد سبحانه بالماء إذهاب العطش عنكم إن شربتموه فيكون المراد إذهاب العطش بشرط شرب المخاطبين الماء لا الإذهاب مطلقا فمفاد التركيب في المثال تحقق إذهاب العطش بعد الشرب وفيما نحن فيه إذهاب الرجس والتطهير بعد الإنتهاء والإئتمار لأن المراد الإذهاب المذكور بشرطهما فهو متحقق الوقوع بعد تحقق الشرط وتحققه غير معلوم إذ هو أمر إختياري وليس متعلق الإرادة والمراد بالرجس الذنب وبإذهابه إزالة مباديه بتهذيب النفس وجعل قواها كالقوة الشهوانية والقوة الغضبية بحيث لا ينشأ عنهما ما ينشأ من الذنوب كالزنا وقتل النفس التي حرم الله تعالى وغيرهما لا إزالة نفس الذنب بعد تحققه في الخارج وصدوره من الشخص إذ هو غير معقول إلا على معنى محوه من صحائف الأعمال وعدم المؤاخذة عليه وإرادة ذلك كما ترى
وكأن مآل الإذهاب التخلية ومآل التطهير التحلية بالحاء المهملة والآية متضمنة الوعد منه عزوجل لأهل بيت نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم بأنهم إن ينتهوا عما ينهى عنه ويأتمروا بما يأمرهم به يذهب عنهم لا محالة مبادي ما يستهجن ويحليهم أجل تحلية بما يستحسن وفيه إيماء إلى قبول أعمالهم وترتب الآثار الجميلة عليها قطعا ويكون هذا خصوصية لهم ومزية على من عداهم من حيث أن أولئك الأغيار إذا إنتهوا أو أئتمروا لا يقطع لهم بحصول ذلك
ولذا نجد عباد أهل البيت أتم حالا من سائر العباد المشاركين لهم في العبادة الظاهرة وأحسن إخلافا وأزكى نفسا وإليهم تنتهي سلاسل الطرائق التي مبناها كما لا يخفى على سالكيها التخلية والتحلية اللتان هما جناحان للطيران إلى حظائر القدس والوقوف على أوكار الأنس حتى ذهب قوم إلى أن القطب في كل عصر لا يكون إلا منهم خلافا للأستاذ أبي العباس المرسي حيث ذهب كما نقل عنه تلميذه التاج بن عطاء الله إلى أنه قد يكون من غيرهم ورأيت في مكتوبات الإمام الفاروق الرباني مجدد الألف الثاني قدس سره ما حاصله أنه القطبية لم تكن على سبيل الإصالة إلا لأئمة أهل البيت المشهورين ثم إنها صارت بعدهم لغيرهم على سبيل النيابة عنهم حتى إنتهت النوبة إلى السيد الشيخ عبدالقادر الكيلاني قدس سره النوراني فنال مرتبة القطبية

الصفحة 19