كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وقرأ إبن السميقع ألوانها وقوله تعالى : كذلك في محل نصب صفة لمصدر مختلف المؤكد والتقدير مختلف إختلافا كائنا كذلك أي كإختلاف الثمرات والجبال فهو من تمام الكلام قبله والوقف عليه حسن بإجماع أهل الأداء وقوله سبحانه : إنما يخشى الله من عباده العلماء تكملة لقوله تعالى : إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب بتعيين من يخشاه عزوجل من الناس بعد الإيماء إلى بيان شرف الخشية ورداءة ضدها وتوعد المتصفين به وتقرير قدرته عزوجل المستدعي للخشية على ما نقول أو بعد بيان إختلاف طبقات الناس وتباين مراتبهم أما في الأوصاف المعنوية فبطريق التمثيل وأما في الأوصاف الصورية فبطريق التصريح توفية لكل واحدة منهما حقها اللائق بها من البيان وقيل كذلك في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك أي كما بين ولخص ثم قيل : إنما يخشى الله إلخ وسلك به مسلك الكناية من باب العرب لا تخفر الذمم ولا دلالة على أن العلم يقتضي الخشية ويناسبها وهو تخلص إلى ذكر أوليائه تعالى مع إفادة أنهم الذين تقع فيهم الإنذار وأن لك بهم غنية عن هؤلاء المصرين قال صاحب الكشف : والرفع أظهر ليكون من فصل الخطاب
وقال إبن عطية يحتمل أن يكون كذلك متعلقا بما بعده خارجا مخرج السبب أي كذلك الإعتبار والنظر في مخلوقات الله تعالى وإختلاف ألوانها يخشى الله العلماء ورده السمين بأن إنما لا يعمل ما بعدها فيما قبلها وبأن الوقف على كذلك عند أهل الأداء جميعا وأرتضاه الخفاجي وقال : وبه ظهر ضعف ما قيل أن المعنى الأمر كذلك أي كما بين ولخص على أنه تخلص لذكر أولياء الله تعالى وفيه أنه ليس في هذا المعنى عمل ما بعد إنما فيما قبلها وإجماع أهل الأداء على الوقف على كذلك أن سلم لا يظهر به ضعف ذلك وفي بعض التفاسير المأثورة عن السلف ما يشعر بتعلق كذلك بما بعده
أخرج إبن المنذر عن إبن جريج أنه قال في الآية كما أختلفت هذه الأنعام تختلف الناس في خشية الله تعالى كذلك وهذا عندى ضعيف والأظهر ما عليه الجمهور وما قيل أدق وألطف والمراد بالعلماء العالمون بالله عزوجل وبما يليق به من صفاته الجليلة وأفعاله الحميدة وسائر شؤونه الجميلة لا العارفون بالنحو والصرف مثلا فمدار الخشية ذلك العلم لا هذه المعرفة فكل من كان أعلم به تعالى كان أخشى روى الدارمي عن عطاء قال : قال موسى عليه السلام يارب أي عبادك أحكم قال الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه قال : يارب أي عبادك أغنى قال : أرضاهم بما قسمت له قال : يارب أي عبادك أخشى قال : أعلمهم بي وصح عنه أنه قال أنا أخشاكم لله وأتقاكم له ولكونه المدار ذكرت الخشية بعد ما يدل على كمال القدرة ولهذه المناسبة فسر إبن عباس كما أخرج عنه إبن المنذر وإبن جرير العلماء في الآية بالذين يعلمون أن الله تعالى على كل شيء قدير وتقديم المفعول لأن المقصود بيان الخاشين والأخبار بأنهم العلماء خاصة دون غيرهم ولو أخر لكان المقصود بيان المخشى والأخبار بأنه الله تعالى دون غيره كما في قوله تعالى : ولا يخشون أحدا إلا الله والمقام لا يقتضيه بل يقتضي الأول ليكون تعريضا بالمنذرين المصرين على الكفر والعناد وأنهم جهلاء بالله تعالى وبصفاته ولذلك لا يخشون الله تعالى ولا يخافون عقابه
وأنكر بعضهم إفادة إنما هنا للحصر وليس بشيء وروى عن عمر بن عبدالعزيز وأبي حنيفة رضي الله تعالى عنهما أنهما قرءا إنما يخشى الله بالرفع العلماء بالنصب وطعن صاحب النشر في هذه القراءة وقال أبو حيان :

الصفحة 191