كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

لعلها لا تصح عنهما وقد رأينا كتبا في الشواذ ولم يذكروا هذه القراءة وإنما ذكرها الزمخشري وذكرها عن أبي حيوة أبو القاسم يوسف بن علي بن جنادة في كتابه الكامل وخرجت على أن الخشية مجاز عن التعظيم بعلاقة اللزوم فإن المعظم يكون مهيبا وقيل الخشية ترد بمعنى الإختيار كقوله
خشيت بني عمي فلم أر مثلهم
إن الله عزيز غفور 82 تعليل لوجوب الخشية لأن العزة دالة على كمال القدرة على الإنتقام ولا يوصف بالمغفرة والرحمة إلا القادر على العقوبة وقيل ذكر غفور من باب التكميل نظير ما في بيت الغنوي المذكور آنفا
والآية على ما في بعض الآثار نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقد ظهرت عليه الخشية حتى عرفت فيه إن الذين يتلون كتاب الله أي يداومون على قراءته حتى صارت سمة لهم وعنوانا كما يشعر به صيغة المضارع ووقوعه صلة وإختلاف الفعلين والمراد بكتاب الله القرآن فقد قال مطرف بن عبدالله بن الشخير : هذه آية القراء
وأخرج عبدالغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن إبن عباس أنها نزلت في حصين بن الحرث بن عبدالمطلب القرشي ثم إن العبرة بعموم اللفظ فلذا قال السدي في التالين : هم أصحاب رسول الله وقال عطاء هم المؤمنون أي عامة وهو الأرجح ويدخل ألأصحاب دخولا أوليا وقيل معنى يتلون كتاب الله يتبعونه فيعملون بما فيه وكأنه جعل يتلو من تلاه إذا تبعه أو حمل التلاوة المعروفة على العمل لأنها ليس فيها كثير نفع دونه وقد ورد رب قاريء للقرآن والقرآن يلعنه ويشعر كلام بعضهم بإختيار المعنى المتبادر حيث قال : إنه تعالى لما ذكر الخشية وهي عمل القلب ذكر بعدها عمل اللسان والجوارح والعبادة المالية وجوز أن يراد بكتاب الله تعالى جنس كتبه عزوجل الصادق على التوراة والإنجيل وغيرهما فيكون ثناء على المصدقين من الأمم بعد إقتصاص حال المكذبين بقوله تعالى وإن يكذبوك إلخ والمضارع لحكاية الحال الماضية والمقصود من الثناء عليهم وبيان ما لهم حث هذه الأمة على إتباعهم وأن يفعلوا نحو ما فعلوا والوجه الأول أوجه كما لا يخفى وعليه الجمهور
وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية أي مسرين ومعلنين أو في سر وعلانية والمراد ينفقون كيفما أتفق من غير قصد إليهما وقيل السر في الإنفاق المسنون والعلانية في الإنفاق المفروض وفي كون الإنفاق مما رزقوا إشارة إلى أنهم لم يسرفوا ولم يبسطوا أيديهم كل البسط ومقام التمدح مشعر بأنهم تحروا الحلال الطيب وقيل جيء بمن لذلك والمعتزلة يخصون الرزق بالحلال وهو أنسب بإسناد الفعل إلى ضمير العظمة ومن لا يخصه بالحلال يقول هو التعظيم والحث على الإنفاق يرجون بما آتوا من الطاعات تجارة أي معاملة مع الله تعالى لنيل ربح الثواب على أن التجارة مجاز عما ذكر والقرينة حالية كما قال بعض الأجلة وقوله تعالى : لن تبور 92 أي لن تكسد وقيل لن تهلك بالخسران صفة تجارة وترشيح للمجاز وجملة يرجون إلخ على ما قال الفراء وأبو البقاء خبر إن وفي إخباره تعالى عنهم بذلك إشارة إلى أنهم لا يقطعون بنفاق تجارتهم بل يأتون ما آتوا من الطاعات وقلوبهم وجلة أن لا يقبل منهم وجعل بعضهم التجارة مجازا عن تحصيل الثواب بالطاعة وأمر الترشيح على حاله وإليه ذهب أبو السعود ثم قال : والأخبار برجائهم من أكرم الأكرمين عدة

الصفحة 192