كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

قطعية بحصول مرجوهم
وظاهر ما روى عن قتادة من تفسيره التجارة بالجنة أنها مجاز عن الربح وفسر لن تبور بلن تبيد وهو كما ترى وقوله تعالى ليوفيهم أجورهم متعلق عند بعض بما دل عليه لن تعلق بنعمة ربك في قوله تعالى ما أنت بنعمة ربك بمجنون بما دل عليهمالا بالحرف إذ لا يتعلق الجار به على المشهور أي ينتفي الكساد عنها وتنفق عند الله تعالى ليوفيهم أجور أعمالهم ويزيدهم من فضله على ذلك من خزائن رحمته ما يشاء وعن أبي وائل زيادته تعالى إياهم بتشفيعهم فيمن أحسن إليهم
وقال الضحاك : بتفسيح القلوب وفي الحديث بتضعيف حسناتهم وقيل بالنظر إلى وجهه تعالى الكريم
والظاهر أن من فضله راجع لما عنده ففيه إشارة إلى أن توفية أجورهم كالواجب لكونه جزاء لهم بوعده سبحانه ويجوز أن يكون راجعا إليهما أو متعلق بمقدر يدل عليه ما قبله وهو ما عد من أفعالهم المرضية أي فعلوا ذلك ليوفيهم أجورهم إلخ وجوز تعلقه بما قبله على التنازع وصنيع أبي البقاء يشعر بإختيار تعلقه بيرجون وجعل اللام عليه لام الصيرورة ويعقب بأنه لا مانع من جعلها لام العلة كما هو الشائع الكثير ولا يظهر للعدول عنه وجه
ووجه ذلك الطيبي بأن غرضهم فيما فعلوا لم يكن سوى تجارة غير كاسدة لأن صلة الموصول هنا علة وإيذان بتحقق الخبر ولما أدى ذلك إلى أن وفاهم الله تعالى أجورهم اتى باللام وإنما لم يذهب إليه بعض الأجلة كالزمخشري لأن هذه اللام لا توجد إلا فيما يترتب الثاني الذي هو مدخولها على الأول ولا يكون مطلوبا نحو تعالى فألتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا وقوله تعالى إنه غفور شكور 03 تعليل لما قبله من التوفية والزيادة عند الكثير أي غفور لفرطات المطيعين شكور لطاعاتهم أي مجازيهم عليها أكمل الجزاء فيوفي هؤلاء أجورهم ويزيدهم من فضله وجوز أن يكون خبرا بعد خبر والعائد محذوف أي لهم وجوز أن يكون هو الخبر بتقدير العائد وجملة يرجعون حال من ضمير أنفقوا بناء على أن القيد المتعقب لأمور متعددة يختص بالأخير كما هو مدهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أو على أن رجاء التجارة النافقة أوفق بالإنفاق أو من مقدر أي فعلوا جميع ذلك راجين
وأستظهره الطيبي والجملة عليه معترضة فلا يرد أن فيه الفصل بين المبتدأ وخبره بأجنبي وجوز أن يكون حالا من ضمير الذين على سبيل التنازع ولم يشتهر التنازع في الحال وأنا لا أرى فيه بأسا وأستظهر بعض المعاصرين جعل الجملة المذكورة حالا من ضمير أنفقوا لقربه وشدة الملاءمة بين الإنفاق ورجاء تجارة لها نفاق ولا يبعد أن يكون قد حذف فيما تقدم نظيرها لدلالتها عليه وجعل ليوفيهم متنازعا فيه للأفعال الثلاثة المتعاطفة أو جعل الجملة حالا من مقدر كما سمعت آنفا و ليوفيهم متعلقا بيرجون وجملة إنه غفور شكور خير المبتدأ والرابط محذوف وفي جملة يرجون إلخ إحتمال الإستعارة التمثيلية ولو على بعد ولم أر من أشار إليه فتدبر
والذي أوحينا إليك من الكتاب وهو القرآن و من للتبيين إذ القرآن أخص من الذي أوحينا مفهوما وإن أتحدا ذاتا أو جنس الكتاب ومن للتبعيض إذ المراد من الذي أوحينا هو القرآن وهو بعض جنس الكتاب وقيل هو اللوح ومن للإبتداء هو الحق إذا كان المراد الحصر فهو من قصر المسند إليه على المسند

الصفحة 193