كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

لا العكس لعدم إستقامة المعنى إلا أن يقصد المبالغة قاله الخفاجي والمتبادر الشائع في أمثاله قصر المسند على المسند إليه وهو ههنا أن لم تقصد المبالغة قصر إضافي بالنسبة إلى ما يفتريه أهل الكتاب وينسبونه إلى الله تعالى
مصدقا لما بين يديه أي لما تقدمه من الكتب السماوية ونصب مصدقا على الحالية والعامل فيه مقدر يفهم من مضمون الجملة قبله أي أحققه مصدقا وهو حال مؤكدة لأن حقيته تستلزم موافقته الكتب الآلهية المتقدمة عليه بالزمان في العقائد وأصول الأحكام واللام للتقوية إن الله بعباده لخبير بصير 13 محيط ببواطن أمورهم وظواهرها فلو كان في أحوالك ما ينافي النبوة لم يوح إليك مثل هذا الحق المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب وتقديم الخبير للتنبيه على أن العمدة هي الأمور الروحانية وإلى ذلك أشار بقوله إن الله لا ينظر إلى أعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم ثم أورثنا الكتاب أي القرآن كما عليه الجمهور والعطف قيل على الذي أوحينا وقيل على أوحينا بإقامة الظاهر مقام الضمير العائد على الموصول وأستظهر ذلك بالقرب وتوافق الجملتين أي ثم أعطيناه من غير كد وتعب في طلبه الذين أصطفينا من عبادنا وهم كما قال إبن عباس وغيره أمة محمد فإن الله تعالى أصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس وخصهم بالإنتماء إلى أكرم رسله وأفضلهم عليهم الصلاة والسلام و ثم للتراخي الرتبي فإن إيحاء الكتاب إليه أشرف من الإيراث المذكور كأنه كالعلة له وبه تحققت نبوته عليه الصلاة و السلام التي هي منبع كل خير وليست للتراخي الزماني إذ زمان إيحائه إليه عليه الصلاة و السلام هو زمان إيرائه وإعطائه أمته بمعنى تخصيصه بهم وجعله كتابهم الذي إليه يرجعون وبالعمل بما فيه ينتفعون وإذا أريد بإيراثه إياهم إيراثه منه وجعلهم منتفعين به فاهمين ما فيه بالذات كالعلماء أو بالواسطة كغيرهم بعده عليه الصلاة و السلام فهي للتراخي الزماني والتعبير عن ذلك بالماضي لتحققه وجوز أن يكون معنى أورثنا الكتاب حكمنا بإيراثه وقدرناه على أنه مجاز من إطلاق السبب على المسبب فتكون ثم للتراخي الرتبي وإلا فزمان الحكم سابق على زمان الإيحاء
ووجه التعبير بالماضي عليه ظاهر وفي شرح الرضى أن ثم قد تجيء في عطف الجمل خاصة لإستبعاد مضمون ما بعدها عن مضمون ما قبلها وعدم مناسبته له كما في قوله تعالى أستغفروا ربكم ثم توبوا إليه فإن بين توبة العباد وهي إنقطاع العبد إليه تعالي بالكلية وبين طلب المغفرة بونا بعيدا وهذا المعنى فرع التراخي ومجازه
وإبن الشيخ جعل ما هنا كما في هذه الآية وجوز أن يكون ثم أورثنا إلخ متصلا بما سبق من قوله تعالى : إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير والمراد ثم أورثنا الكتاب من الأمم السالفة وأعطيناه بعدهم الذين أصطفيناهم من الأمة المحمدية والكتاب القرآن كما قيل وإنه لفي زبر الأولين وقيل لا يحتاج إلى إعتبار ذلك ويجعل المعنى ثم أخرنا القرآن عن الأمم السالفة وأعطيناه هذه الأمة ووجه النظم أنه تعالى قدم إرساله في كل أمة رسولا وعقبه بما ينبيء أن تلك الأمم تفرقت حزبين حزب كذبوا الرسل وما أنزل معهم وهم المشار إليهم بقوله تعالى : فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير وحزب صدقوهم وتلوا كتاب الله تعالى وعملوا بمقتضاه وهم المشار إليهم بقوله سبحانه إن

الصفحة 194