كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

أن منهم الكافر وغيره وكون العباد المضاف إلى الله تعالى مخصوصا بالمؤمنين ليس بمطرد وإنما يكون كذلك إذا قصد بالإضافة التشريف والقول برجوع الضمير للموصول وإلتزام كون الإصطفاء بحسب الفطرة تعسف كما لا يخفى وقيل : في تفسير الثلاثة غير ما ذكر وذكر في التحرير ثلاثة وأربعين قولا في ذلك ومن تتبع التفاسير وجدها أكثر من ذلك لكن لا يجد في أكثرها كثير تفاوت والذي يعضده معظم الروايات والآثار أن الأصناف الثلاثة من أهل الجنة فلا ينبغي أن يلتفت إلى تفسير الظالم بالكافر إلا بتأويل كافر النعمة وإرادة العاصي منه
أخرج الإمام أحمد والطيالسي وعبد بن حميد وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم وإبن مردويه والبيهقي والترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال في هذه الآية : ثم أورثنا الكتاب إلىالخيرات هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة وقوله عليه الصلاة و السلام وكلهم إلخ عطف تفسيري
وأخرج الطبراني وإبن مردويه في البعث عن أسامة بن ريد أنه قال في الآية : قال رسول الله كلهم من هذه الأمة وكلهم في الجنة وأخرج إبن النجار عن أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له وأخرج العقيلي وإبن مردويه والبيهقي عن عمر بن الخطاب مرفوعا نحوه
وأخرج الإمام أحمد وعبد بن حميد وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم والطبراني والحاكم وإبن مردويه والبيهقي عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله يقول قال الله تعالى ثم أورثنا الكتاب الذين أصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله فأما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة بغير حساب وأما الذين أقتصدوا فأولئك الذين يحاسبون حسابا يسيرا وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحسبون في طول المحشر ثم هم الذين يتلقاهم الله تعالى برحمته فهم الذين يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الآية قال البيهقي : إذا كثرت الروايات في حديث ظهر أن للحديث اصلا والأخبار في هذا الباب كثيرة وفيما ذكر كفاية وقدم الظالم لنفسه لكثرة الظالمين لأنفسهم وعقب بالمقتصد لقلة المقتصدين بالنسبة إليهم وأخر السابق لأن السابقين أقل من القليل قاله الزمخشري وحكى الطبرسي أن هذا الترتيب على مقامان الناس فإن أحوال العباد ثلاث معصية ثم توبة ثم قربة فإذا عصى العبد فهو ظالم فإذا تاب فهو مقتصد فإذا صحت توبته وكثرت مجاهدته فهو سابق وقيل : قدم الظالم لئلا ييأس من رحمة الله تعالى وأخر السابق لئلا يعجب بعمله فتعين توسيط المقتصد وقال قطب الدين : النكتة في تقديم الظالم أنه أقرب الثلاثة إلى بداية حال العبد قبل أصطفائه بإيراث الكتاب فإذا باشره الإصطفاء فمن العباد من يتأثر قليلا وهو الظالم لنفسه ومنهم من يتأثر تأثرا وسطا وهو المقتصد ومنهم من يتأثر تأثرا تاما وهو السابق وقريب منه ما قيل : إن الإصطفاء مشكك تتفاوت مراتبه وأولها ما يكون للمؤمن الظالم لنفسه وفوقه ما يكون للمقتصد وفوق الفوق ما يكون للسابق بالخيرات فجاء الترتيب كالترقي في المراتب وقيل : أخر السابق لتعدد ما يتعلق به فلو قدم أو وسط لبعد في الجملة ما بين الأقسام المتعاطفة ولما كان الإقتصاد كالنسبة بين الظلم والسبق أقتضى ذلك تقديم الظالم وتأخير المقتصد ليكون المقتصد بين الظالم والسابق لفظا كما هو بينهما معنى وقد يقال : رتب هذه الثلاثة هذا الترتيب ليوافق حالهم في الذكر بالنسبة إلى ما وعدوا به من الجنات في قوله سبحانه جنات عدن الآية حالهم في الحشر عند تحقق الوعد فأخر السابق الداخل في الجنان أولا ليتصل ذكره بذكر الجنات الموعود بها وذكر قبله المقتصد

الصفحة 197