كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 22)

وجعل السابق فاصلا بينه وبين الجنات لأنه إنما يدخلها بعده فيكون فاصلا بينه وبينها في الدخول وذكر قبلهما الظالم لنفسه لأنه إنما يدخلها ويتصل بها بعدد دخولهما فتأخير السابق في المعنى تقديم وتقديم الظالم في المعنى تأخير ويحتمل ذلك أوجها أخرى تظهر بالتأمل فتأمل وقرأ أبو عمران الجوني وعمر بن أبي شجاع ويعقوب في رواية والقزاز عن أبي عمر و سباق بصيغة المبالغة ذلك أي ما تقدم من الإيراث والإصطفاء هو الفضل الكبير 23 من الله عزوجل لا دخل للكسب فيه جنات عدن مبتدأ خبره قوله تعالى : يدخلونها ويؤيده قراءة الجحدري وهرون عن عاصم جنات بالنصب على الإشتغال أي يدخلون جنات عدن يدخلونها وإحتمال جره بدلا من الخيرات بعيد وفيه الفصل بين البدل والمبدل منه بأجنبي فلا يلتفت إليه
وضمير الجمع للذين أصطفينا أو للثلاثة وقال الزمخشري : ذلك إشارة إلى السبق بالخيرات وجنات عدن بدل من الفضل الذي هو السبق ولما كان السبق بالخيرات سببا لنيل الثواب جعل نفس الثواب إقامة للسبب مقام المسبب ثم أبدل منه وضمير الجمع للسابق لأن القصد إلى الجنس فخص الوعد بالقسم الأخير مراعاة لمذهب الإعتزال وهو على ما سمعت للإقسام الثلاثة وذلك هو الأظهر في النظم الجليل ليطابقه قوله تعالى بعد والذين كفروا لهم نار جهنم وليناسب حديث التعظيم والإختصاص المدمج في قوله سبحانه ثم أورثنا الكتاب وإلا فأي تعظيم في ذلك الذكر بعد أن لز أكثر المصطفين في قرن الكافرين وليناسب ذكر الغفور بعد حال الظالم والمقتصد والشكور حال السابق ولتعسف ما ذكره من الأعراب وبعده عن الذوق وكيف لا يكون الأظهر وقد فسره كذلك أفضل الرسل ومن أنزل عليه هذا الكتاب المبين على ما مر آنفا وإليه ذهب الكثير من أصحابه الفخام ونجوم الهداية بين الأنام رضي الله تعالى عنهم وعد منهم في البحر عمر وعثمان وإبن مسعود وأبا الدرداء وأبا سعيد وعائشة رضي الله تعالى عنهم وقد أخرج سعيد بن منصور والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب أنه قال بعد أن قرأ الآية : أشهد على الله تعالى أنه يدخلهم الجنة جميعا وأخرج غير واحد عن كعب أنه قرأ الآية إلى لغوب فقال دخلوها ورب الكعبة وفي لفظ كلهم في الجنة ألا ترى على أثره والذين كفروا لهم نار جهنم نعم أن أريد بالظالم لنفسه الكافر يتعذر رجوع المضير إلى ما ذكر ويتعين رجوعه إلى السابق وإليه وإلى المقتصد لأن المراد بهما الجنس لكن لا ينبغي أن يراد بعد هاتيك الأخبار وقرأ زر بن حبيش والزهري جنة عدن بالأفراد والرفع وقرأ أبو عمرو يدخلونها بالبناء للمفعول ورويت عن إبن كثير وقوله تعالى يحلون فيها خبر ثان لجنات أو حال مقدرة وقيل : إنها لقرب الوقوع بعد الدخول تعد مقارنة وقريء يحلون بفتح الياء وسكون الحاء وتخفيف اللام من حليت المرأة فهي حالية إذا لبست الحلى ويقال جيد حال إذا كان عليه الحلى من أساور جمع سوار على ما في الإرشاد وفي القاموس السوار ككتاب وغراب القلب كالأسوار بالضم جمعه أسورة وأساور وأساورة وسور وسوور وإطلاق الجمع على جمع الجمع كثير فلا مخالفة وسوار المرأة معرب كما قال الراغب وأصله دستواره ومن للتبعيض أي يحلون بعض أساور كأنه بعض له إمتياز وتفوق على سائر الأبعاض وجوز أن تكون للبيان لما أن ذكر التحلية مما ينبيء عن الحلى المبهم وقيل : زائدة بناء على ما يرى الأخفش من جواز زيادتها في الإثبات وقيل : نعت لمفعول محذوف ليحلون وأنه بمعنى يلبسون ومن في قوله تعالى من ذهب

الصفحة 198